Site icon IMLebanon

بناء الثقة

كتب فادي عبود في جريدة “الجمهورية”:

اليوم، في خضم الاتهامات والمطالب الواقعية والمطالب المضخّمة، ولعبة الأسماء وصفات الحكومة المقبلة، وانعدام الثقة، تُصبح الصورة ضبابية في كيفية تحقيق فعّال لآمال الناس الذين ملأوا الشوارع لتحسين المستوى المعيشي وتحقيق الاصلاح وتوفير انتاجية في العمل الحكومي. المطلوب التركيز على آلية عمل وقوانين وإجراءات مقبلة بدل الوقوع في مستنقع الاسماء. المطلوب وضع مطالب واضحة لتحقيق الشفافية الكاملة، والتي هي الوسيلة الوحيدة لإعادة ثقة الشعب بحكومته وإبقاء المواطن شريكاً دائماً وفاعلاً في المحاسبة .

ومن هنا، إجبار السلطة اليوم على إقرار قانون الشفافية والبيانات المفتوحة. وتنصّ مسوّدة القانون الذي اقترحتُه في مادته الاساسية على الآتي: «على الإدارة أن تعتمد سياسة البيانات المفتوحة، اي ان تجعل كل بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة).

هذا التوجّه صار عالمياً، حيث ينادي الناس في جميع أنحاء العالم بمزيد من الانفتاح في الحكومة. يبحث المواطنون عن إدارات عامة أكثر شفافية ومساءلة واستجابة، ويتعاونون بشكل متزايد مع مؤسسات القطاع العام لتحقيق هذه المبادئ. وتعدّ الاستراتيجيات والمبادرات الحكومية المفتوحة هي المفتاح لتجديد علاقة المواطنين بالمسؤولين الحكوميين واستعادة ثقتهم بالحكومة. وهناك اعتراف متزايد بأنّ الحكومة المفتوحة يمكنها أن تؤدي دوراً محورياً في دعم الحكم الرشيد والديمقراطية والنمو الشامل.

وتعتمد الاستراتيجيات والمبادرات الحكومية المفتوحة على مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة ومشاركة أصحاب المصلحة. وتدعم منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، البلدان في جميع أنحاء العالم لتعزيز ثقافة السياسات الحكومية المفتوحة، من خلال تقديم المشورة والتوصيات في شأن السياسات المتعلقة بكيفية دمج هذه المبادئ الأساسية في جهود إصلاح القطاع العام. وهناك مؤتمرات تُعقد في كل البلدان لإيجاد السبل الأنسب لجعل البيانات المفتوحة، الروحية الأساسية لعمل كل الحكومات.

أما بعد، فإنّ مطلبنا هذا ليس خيالياً، وهناك تجارب لدول تطبّقه وتعتمده لتوفير بيئة شفافة:

في الهند، على سبيل المثال، أمرت المحكمة العليا، بأنّ قانون RTI أي قانون الحق في الوصول الى المعلومات، ينطبق على المعلومات الحساسة في حالات الفساد. فقد تمّ اتهام الحكومة الهندية بأنّها أبرمت صفقة مبالغاً فيها لمساعدة شركة «أنيل أمباني» في الحصول على عقد تعويض مع شركة «داسو» لصناعة الطائرات. ويُعتبر هذا الحكم القضائي أساسياً في اعتبار كل المعلومات متاحة للشعب .

وفي كندا، مثلاً، المعلومات المالية والميزانية الخاصة بحكومة كندا متاحة وسهلة الفهم، مما يسمح للكنديين بتتبّع كيفية إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم، وفهم كيفية اتخاذ القرارات المالية الحكومية، وتمكين البرلمان من مراجعة الإنفاق الحكومي والموافقة عليه، وتخطو كندا خطوات جدّية نحو الحكومة المفتوحة.

في اوكرانيا، يتيح موقع «المالية العامة المفتوحة» OPF عرض بيانات جميع الموازنات المحلية على البوابة الوطنيةopen budget.gov.ua. حيث أصبح لدى المواطنين الأوكرانيين أداة لرصد الإنفاق العام على المستوى المحلي. وأصبحت المعلومات حول 9.603 ميزانيات محلية متاحة للجميع، ويتمّ تحديثها شهريًا.

حيث قدّم فريق «المالية العامة المفتوحة» بيانات عن دخل ونفقات كل ميزانية محلية. لذلك يمكن للجميع الآن إجراء البحوث حول تشكيل الميزانية. كما يُسمح للمواطنين بمعرفة أي جزء من أي إيرادات من الميزانية المحلية يذهب من التدفق الخاص به والجزء الآخر من تبرّع الدولة. علاوة على ذلك، من الممكن التحقق من نفقات السلطات المحلية.

وقال أولكساندر كوماريوس، الرئيس التنفيذي لشركة PI «المالية العامة المفتوحة»، وهي مؤسسة عامة: «توفّر البيانات المتعلقة بالميزانيات المحلية مجالًا كاملاً للمناقشات بين السلطات والمجتمع النشط. الشفافية المالية للإدارة تتيح للمقيمين التحكّم في حركة أموال الميزانية، وكذلك مساعدة المسؤولين بفعالية مع النزاهة في إدارة الشؤون المالية المحلية».

ويقدّم موقع «ميزانية الشفافية» معلومات عن الميزانية في المكسيك بطريقة مفصّلة. وهذا هو أول موقع مؤسسي على المستوى الفيدرالي يتحقق وينشر نظام تقييم الأداء (SED حسب اختصاره باللغة الإسبانية)، أي المعلومات الأساسية لبرنامج اتحادي، وتحديثات ربع سنوية حول الأموال المنفقة، والتقييمات الخارجية، ومصفوفة المؤشرات (IM)، مع التقدّم المُحرز في كل من الأهداف المخططة والمحققة، تتماشى مع خطة التنمية الوطنية، لكل مؤشر.

الهدف الرئيسي لهذا الموقع هو توفير نافذة واحدة للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالإنفاق العام، حتى يتمكن المواطنون من التشاور بطريقة بسيطة:

– على ماذا تُنفق الحكومة المال؟

– ما الموارد التي تُنفق؟

– كيف تنفق الحكومة الموارد العامة؟

– أين تنفق الحكومة عليها؟

توفّر البوابة بيئة من الشفافية في جميع مراحل عملية الموازنة: التخطيط، البرمجة، الميزنة، التمرين والتحكّم، المراقبة والتقييم والمساءلة.

في اسبانيا، Open Budget هي أداة تمّ إنشاؤها للمواطنين وجميع الأشخاص أو المنظمات التي قد تكون مهتمة، والتي تهدف إلى تسهيل تحليل وفهم ميزانيات مدينة برشلونة. ويتيح عرض الميزانية من المستوى العلوي إلى الحد الأقصى لمستوى التفاصيل، للعام الحالي وللسنوات القليلة الماضية. إنّه يسهّل مقارنة ما تمّ وضعه في الميزانية مع ما تمّ تنفيذه أخيرًا، ويوضح تفاصيل الفواتير الكامنة وراء نفقات الميزانية. وتتيح أداة Open Budget أيضًا تنزيل البيانات بتنسيقات مفتوحة، وهي متوافرة باللغة الكاتالانية والإسبانية والإنكليزية.

بدأت مؤسسة Open State Foundation عام 2013 بإطلاق البيانات المالية لمركز مدينة أمستردام. وعام 2014، أصدرت مؤسسة الدولة المفتوحة بيانات الموازنة والإنفاق لأكثر من 200 حكومة محلية. بدعم من وزارة الداخلية الهولندية، أدّى ذلك نهاية عام 2015 إلى الوصول المستدام والهيكلي إلى البيانات المفتوحة للميزانيات والنفقات لجميع السلطات المحلية الهولندية. تتوافر البيانات اعتبارًا من عام 2010 وتُضاف ميزانيات ونفقات جديدة تلقائيًا. وتعدّ الشفافية المالية أمرًا ضروريًا للمساءلة .

هذه لمحة بسيطة عمّا تقوم به بعض الدول اليوم في فتح بياناتها، للوصول الى علاقة متجدّدة مع المواطن الذي يجب ان يمتلك المعرفة ليتمكن من توجيه البوصلة والمحاسبة، لأنّه من الظاهر أنّ عبارة «كلن يعني كلن»، من دون وثائق ومعلومات، لم توصلنا الى نتيجة ملموسة . والواضح أنّ المواطن لن يُعطي الثقة على العمياني بعد الآن .