قالت مصادر دبلوماسية في العاصمة اللبنانية إن ضغوطا خارجية فرنسية وبريطانية وبدرجة أقل أميركية تدفع باتجاه إنهاء الأزمة في لبنان عبر حكومة تكنوسياسية يترأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.
وأضافت المصادر أن حركة الموفدين، الفرنسي والبريطاني، كما الاجتماعات العالية المستوى التي تمت بين دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين وأميركيين في باريس مؤخرا، كما اتصالات فرنسا مع روسيا، أفضت كلها إلى توفر حد أدنى من التوافق بإمكانه أن يشكل أرضية تفاهم للقوى السياسية في لبنان.
وعلم أن حركة السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه لدى الرئاسات اللبنانية الثلاث تحمل مضمون هذا التقاطع الجديد الذي أعاد تعويم اسم رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري كمرشح وحيد يجمع عليه كافة الفرقاء، كما تفضله الجهات الدولية السياسية والمالية.
وترجح بعض المعلومات إمكانية موافقة الحريري على ترؤس حكومة تكنوسياسية تمنحه صلاحيات واسعة. وتكشف المعلومات أن ضغوطا تمارسها باريس على الحريري يقبل بموجبها تمثيلا سياسيا محدودا للفرقاء وفق الصيغة التي يطمئن لها حزب الله.
وتقول بعض المعلومات إن الحريري قد يقبل بحكومة من هذا النوع دون أن يكون وزير الخارجية جبران باسيل مشاركا فيها، وأن حزب الله قد يقبل بالتخلي عن دعم شرط رئيس الجمهورية ميشال عون بإشراك صهره باسيل في الحكومة المقبلة.
وتقول بعض المصادر إن هذه الصيغة أو أي صيغة قريبة باتت مطلوبة من قبل العواصم الدولية، وأن وفد جامعة الدول العربية الذي التقى القيادات اللبنانية قد أوحى بتوافق عربي دولي في هذا الصدد.
وتضيف المصادر أن موسكو عدلت من مواقفها السابقة، ولاسيما تلك التي تحفظ فيها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على فكرة حكومة التكنوقراط باعتبارها “غير منطقية”، وذهبت باتجاه دعم الحريري وأي حكومة “مناسبة”.
الحريري قد يقبل رئاسة الحكومة دون أن يكون باسيل مشاركا فيها، وحزب الله قد يتخلى عن دعم عون بإشراك صهره
وترى بعض المراجع أن الثنائية الشيعية تقف وراء وقف اندفاع قصر بعبدا نحو البحث عن بدائل للحريري والتلويح بأسماء المرشحين، وأن حزب الله وحركة أمل ما زالا يعتبران أن المخرج الأمثل يكمن في التوافق على صيغة حكومية تأخذ جديا بالاعتبار التطور الدراماتيكي الذي حصل في البلاد منذ 17 أكتوبر الماضي، تاريخ اندلاع الحراك المدني، لكنها لا تنقلب على التوازنات السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة.
ويستبعد مراقبون سهولة قبول الرئيس عون والتيار العوني بالتخلي عن شرط مشاركة باسيل في الحكومة العتيدة، وأن تلبية طلب كهذا سيعتبر هزيمة للعهد وللتيار الوطني الحر.
وتروج أنباء تتحدث عن إمكانية أن يتولى الحريري نفسه إقناع عون، خصوصا وأن حزب الله يحاول أن لا يخسر الغطاء السياسي المسيحي الذي وفرته العونية السياسية له منذ التوقيع على ورقة التفاهم الشهيرة بين عون وأمين عام حزب الله حسن نصرالله عام 2006.
ويقول مراقبون أن صيغة حكومة تكنوسياسية ليست الصيغة التي يريدها الحريري. فقد تمسك بأن تكون الحكومة من الخبراء والاختصاصيين وخالية من السياسيين، وسربت أوساطه أن هذا الشرط مضاف إلى شروط منحها الصلاحيات الاستثنائية والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة بعد سن قانون جديد للانتخاب، بقيت شروط الحريري للموافقة على دعم شخصية سنية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويضيف المراقبون أن الحريري ظل متمسكا بشروطه حتى بعد أن حاول تحالف الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر وأذرع مشبوهة تحريك الشارع والتهويل بالحرب الأهلية.
ويخلص المراقبون إلى أن أي مرونة في موقف الحريري بهذا الصدد قد ينهل مبرراته من الحرص على السلم الأهلي والتخوف من انفلات الأمور، لكنه يستوحي مسبباته من مزاج دولي ضاغط لم يعد يسمح للفرقاء المحليين بهامش مناورة رحب في هذا الصدد.
وتتخوف العواصم الأوروبية مما قد تسببه الفوضى من تداعيات على استقرار أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري في لبنان، وما يمكن أن يسببه الأمر من تسونامي هجرة باتجاه أوروبا.
كما أن بعض العواصم، ولاسيما باريس وواشنطن وموسكو وروما، معنية مباشرة بأسواق الطاقة الواعدة في المياه اللبنانية، خصوصا وأن الولايات المتحدة تتولى، من خلال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، رعاية مفاوضات لبنانية إسرائيلية لتسوية النزاع الحدودي، البري والبحري، بين البلدين.
وتدعو باريس ولندن إلى عدم مواجهة حزب الله من خلال حكومة تكنوقراط، خصوصا وأن حزب الله وضع حكومة تكنوسياسية كسقف لا يمكنه التراجع عنه لأن ذلك سيعتبر هزيمة أمام الرأي العام في لبنان.
ويقول مقربون من الحزب، إن تمسك حزب الله بالحريري رئيسا للحكومة يعود، إضافة إلى ما يمتلكه من اتصالات عربية ودولية كما لدى المؤسسات المالية الكبرى، إلى تعهده السابق والحالي على عدم إثارة موضوع “سلاح المقاومة”، وتجنب الخوض في المسائل الإشكالية المتعلقة بالمشهدين، الإقليمي والدولي.