IMLebanon

صحوة “الطاقة”… و”ضرب” القوانين

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

كلما ظهرت أزمة تدفعنا إلى الترحّم على الأزمات التي سبقتها. صعوبة استيراد المعدّات الطبية أرعبتنا، وجعلتنا نشعر بالوجع الذي سينجم قريباً عنها بسبب توقّف المستشفيات عن تأمين أبسط المستلزمات. إقفال المصارف ومن بعدها عملية التقنين، أثار هلعنا، وحدَّ من عمليات صرفنا. تهديد المطاحن بالتوقف عن العمل، لعب على وتر تجويعنا وحاجتنا اليومية إلى الرغيف… وهكذا تتوالى الأزمات سريعاً وتتعمّق مخاوفنا، إلى أن وصلنا إلى الإضراب المفتوح الأكثر جدّية للمحطّات، وهو ما يُنذر بتوقّف كل ما سبق، مضافاً إليه شلّ البلد.

على غير عادتها، بدت الطرقات صباح أمس خالية من السيارات، باستثناء توقف السير في بعض النقاط، نتيجة تجمّع الثائرين أمام مراكز الضريبة على القيمة المضافة ووزارة المالية ومصرف لبنان، فإن البلد يظهر وكأنه في حالة طوارئ غير معلنة.

حوالى 3200 محطة بيع محروقات رفعت خراطيمها، تاركة مليون و800 ألف سيارة، من بينها آليات القوى الأمنية والإسعاف ونقل الطلاب والمنتجات… من دون “غذاء”.

هذا الواقع دفع إلى رسم مشهد سريالي. “غالونات” بنزين تباع على “البسطات” بسعر 30 ألف ليرة لكل 10 ليترات. ومواطنون غاضبون بدأوا بترك سياراتهم التي فرغت من الوقود على جوانب الطرقات وفي وسطها.

توقُّف 60% من “العمومي”

الإضراب المزدوج لأصحاب المحطات وشركات التوزيع، الذي أعلن فجأة وترافق مع إقفال فوري في كثير من المناطق، سيدفع مطلع الأسبوع المقبل إلى توقّف كل الأنشطة الإقتصادية والخدماتية.

“حوالى 60 في المئة من السيارات العمومية توقفت اليوم عن العمل على مختلف الأراضي اللبنانية”، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض. وفي حال استمر هذا الإضراب لأكثر من يومين فإن التوقف بحسب النقابة سيكون عاماً وسيلحق أضراراً جسيمة بالسائقين العموميين الذين يمثلون الشريحة الاضعف في المجتمع. وبحسب فياض فإن “أكثر من 90 في المئة من العاملين يؤمنون قوتهم ومعيشتهم من عملهم اليومي. وتوقفهم عن العمل في ظل هذه الظروف سيلحق بهم أضراراً جسيمة”.

فريسة البرد… والتهديد

المشكلة في البقاع تتعدّى خطورة وصول المواطنين إلى أعمالهم، فتوقّف المحطات عن تأمين المازوت يعني وقوع آلاف الأُسر فريسة البرد. فالأغلبية الساحقة من المزارعين عجزوا، على غير عادتهم، عن “تأمين شتويتهم”، يوضح رئيس بلدية قب الياس جهاد المعلم. نشوب الأزمة مع بداية فصل الشتاء وما رافقها من تراجعات كبيرة في المردود الزارعي أفقد المواطنين القدرة على تعبئة كميات وافية من مادة المازوت. “ما نشهده اليوم من تعبئة هذه المادة الضرورية للتدفئة بالعبوات البلاستكية خير دليل على تعمق الأزمة وتهديدها الأمن الإجتماعي لأبناء البقاع”، يضيف المعلم. والخطورة الاكبر حسب رأيه، تتمثل في مثول شبح فقدان المشتقات النفطية في كل لحظة، “حتى لو علّق الإضراب اليوم، فسيعود غداً أشد فتكاً. بسبب غياب أي خطة جدية تضمن ديمومة واستمرارية توفير هذه المادة الاستراتيجية للمواطنين. وهذا ما تتحمل مسؤوليته وزارة الطاقة بشكل مباشر”.

إضراب محطات المحروقات، الذي عادة ما يُعلّق في اليوم الثاني بعد تدخّل الوساطات، من المتوقع أن يطول هذه المرة، “فالذي يتوارد من أخبار، وما فُهم من حديث وزيرة الطاقة ندى البستاني، أن سبب الإضراب هو فتح الوزارة مناقصة استيراد البنزين يوم الإثنين وشعور المستوردين ومن بعدهم شركات النقل والتوزيع بالمنافسة، علماً أن حصة استيراد الدولة لن تزيد عن نسبة 10 في المئة وهو ما لا يشكل خطراً على الشركات” يؤكد رئيس “الندوة الاقتصادية اللبنانية” رفيق زنتوت. إلا انه، ةبحسب زنتوت فان “الإضراب الذي سيشلّ البلد بالكامل، ما هو إلا محاولة ضغط جديدة نحو تأخير التكليف وحشر الحكومة المستقيلة وإعطائها صلاحيات استثنائية لتسيير الأمور، وهو موضوع بالغ الخطورة لأن البلد لم يعد يحتمل هذا السلوك”.

رهان خاطئ… ولا “مناقصات”

“الصحوة المفاجئة لوزارة الطاقة بكسر احتكار استيراد البنزين، ليست هي سبب الإضراب”، تعلّق مصادر نقابة المحطات، والأسباب هي:

– ستستورد الدولة 150 الف طن فقط سنوياً من أصل مليوني طن حاجة لبنان من بنزين 95 و98 أوكتان. وبالتالي فان الكمية المستودرة أقل من الحاجة الشهرية التي تبلغ 166 الف طن.

– نوعية البنزين المستورد ستحصر فقط بـ 95 أوكتان، وهو غير ملائم للآليات الجديدة.

– على عكس ما تدّعي وزارة الطاقة فإن استيرادها للبنزين لا يخلق توازناً في السوق، وأبسط دليل هو فشلها التاريخي في استيراد مادة المازوت الأحمر.

الفشل في إدارة الملف لا يقف عند الحدود التقنية، بل يتعداها إلى الإستمرار في مخالفة القوانين وتخطي الهيئات الرقابية. “فعلى الرغم من ان وزارة الطاقة تتلطّى خلف منشآت النفط، التي لا تخضع لرقابة إدارة المناقصات، فإن ما يجري على أرض الواقع يُثبت ان الوزارة هي من تدير الملف وتقوم بعملية التلزيم. فهي من أعدّت دفتر الشروط، ودعت إلى المناقصة ووقع الملف من الوزيرة. وبالتالي فإن الوزارة كانت ملزمة حكماً بتمرير دفتر الشروط على إدارة المناقصات لإبداء الرأي، والموافقة، وهو ما لم يتم، بمخالفة صارخة لكل الأنظمة والقوانين”، يلفت المهندس محمد بصبوص. وهذا يُعيدنا بحسب بصبوص إلى مخالفة الطاقة في موضوع تلزيم معامل الكهرباء حيث “أعد دفتر الشروط في الوزارة وشكّلت لجنة وزارية وافقت على دفتر الشروط من دون المرور بإدارة المناقصات”.

بغضّ النظر عن دوافع القرار وما إذا كان يهدف إلى استمرار السمسرات أو لتسريع العملية… فإنه يشكّل استمراراً لنهج الضرب عرض الحائط بالقوانين الرقابية، وهو ما يُخالف أبسط المطالب الشعبية والدولية على حدّ سواء.