وسط فوضى سياسية – مالية – مطلبية – أمنية غير مسبوقة تسيطر على الساحة الداخلية، جال قائد الجيش العماد جوزيف عون على عدد من القيادات الجمعة، فالتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. خطوة عون لافتة للانتباه، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، وقد أرادها لإيصال جملة رسائل الى مَن يعنيهم الأمر. رسائل ذات أبعاد سياسية – أمنية ومالية ايضا.
على الصعيد الاول، حاول قائد الجيش حثّ العاملين على خط التكليف والتأليف على الاسراع في مهمّتهم. فالازمة في البلاد سياسية بامتياز، وما التطوراتُ السلبية المتوالية فصولا في الشارع، او في المصارف ومحطات الوقود والافران او في المحلات التجارية، الا من متفرعاتها ونتائجها. وبالتالي، فإن أسرع الطرق الى التهدئة وعودة الامور في البلاد الى الانتظام يكمن في تشكيل حكومة جديدة. والحال، تضيف المصادر، أن الجيش يدفع أغلى الاثمان في ظل التخبّط الحاصل، فقواه وعناصره أُنهكت واستنزفت على الارض، وهي تواكب منذ 17 تشرين الماضي التحركات التي لا تهدأ ليل نهار على طول الاراضي اللبنانية، فتصطدم مع هذا الطرف هنا لمنعه من قطع الاوتوستراد، قبل ان يراشقها الطرفُ الاخر بالحجارة هناك بعد ان قرر التصدي بنفسه للشارع الخصم في السياسة. كل ذلك فيما مهمة الجيش يجب ان تكون على الحدود، لا في الداخل.
وبحسب المصادر، فإن العماد عون، الذي رافقه في جولته مدير المخابرات العميد انطوان منصور، طالب القيادات بالعمل جديا على ضبط قواعدها. ففي حال استمر التعثر في السياسة، ولم يتحرّك السياسيون للجم مؤيديهم المتهورين – الذين هددوا السلم الاهلي بوجوه سافرة دونما خوف من أي رقابة او حساب، في الرينع ومونو وصور وبعلبك وعين الرمانة – فإن الحؤول دون وقوع الفتنة المشؤومة بين اللبنانيين سيصبح أكثر صعوبة. ونداءُ عون هنا: “جنّبوا البلاد والجيش هذه الكأس المرة، ولا تضعوه في “بوز المدفع”، وأمام تحدّ قد يتهدد وحدته”.
الى ذلك، أوضح قائد الجيش لمضيفيه ان إقحام المؤسسة العسكرية في الزواريب السياسية الضيقة امر مرفوض. فالترويج لكونها تنفّذ أجندة هذه الدولة او تلك خطير وغير مبرر، خاصة وأنها تتحرّك وفق قاعدة واحدة “حماية اللبنانيين، كل اللبنانيين”. فالجيش جيش الشعب وليس جيش “النظام”. وعمليا، حريةُ المواطن في التعبير عن الرأي والاعتراض يجب ان تحميها المؤسسة العسكرية، تماما كما حق المواطن في التنقل. وهذا تماما ما تفعله على الارض. ومحاولة تحميله مسؤولية عدم وصول نواب الى البرلمان في غير مكانها لأنه قام بواجباته يوم الجلسة التشريعية على أكمل وجه، فالثوار لم يقطعوا الطرق لا بالاطارات ولا بالعوائق بل تجمّعوا في الشوارع، فهل كان المطلوب ان يزيحهم بالقوة؟
المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الجيش في هذه المرحلة الاستثنائية من عمر لبنان تأتي في وقت تبدو مخصصات عناصره وأفراده ورواتبهم مهددة. صحيح انهم لا زالوا يتقاضونها، الا ان الوضع الدقيق والحرج الذي تتخبط فيه المالية العامة يجعل القلق من المستقبل مبررا. وعليه، لا بد ان يكون قائد الجيش أبلغ بري والحريري سلامة بأن تأمين حاجات المؤسسة العسكرية كلّها، من مأكل ومشرب وطبابة ورواتب ومستلزمات عسكرية ولوجستية، يجب ان يبقى الاولوية المطلقة لديهم. فأي خربطة او تأخير في الاستحقاقات، لن تكون نتائجه حميدة وسترتد سلبا ليس فقط على أداء العسكر في الميدان، بل على معنوياتهم ايضا، خاصة وأن جزءا كبيرا منهم أظهر تعاطفا مع المنتفضين ومطالبهم المعيشية المحقة. فهل ستلقى مناشدات عون الآذان الصاغية؟