كتبت هيام القصيفي في “الاخبار”:
انقسم المشهد السياسي أمس بين شقّين مالي ــ اقتصادي في بعبدا، وسياسي في استئناف جولة المفاوضات السياسية حول اسم المرشح لتأليف الحكومة، وأمني ــ مالي من خلال جولة قائد الجيش العماد جوزف عون ومدير المخابرات طوني منصور على الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
في الشقّ السياسي، تحدّثت معلومات مطّلعين على مسار المفاوضات عن أن من المبكر الكلام عن توافق على اسم المرشح سمير الخطيب، لثلاثة أسباب. أولاً، أن الخطيب الآتي من عالم الهندسة ليس رجلاً سياسياً بالمعنى الحرفي للكلمة، وهذا يطرح علامة استفهام حالياً لأن الظرف الحالي لا يحتمل اجتهادات من نوع الإتيان بشخصية بعيدة عن الدورة السياسية المعروفة، وقد أثار استغراب بعض المفاوضين في تناوله بعض البديهيات الحكومية. ثانياً، لأن مجرد طرح اسمه وبدء طرح أسئلة حول مشاريع قام بها، يعني أن من غير المضمون أن الحركة الشعبية قد تبلع تسميته، وخصوصاً أن هناك من يتبرّع يومياً في كشف ثغرات شابت مشاريعه.
وتشير المعلومات الى أن أكثر اسم كان جدياً في كل حركة الترشيحات كان اسم الوزير السابق بهيج طبارة، الذي لم يكن الحريري مسؤولاً عن حرقه، لكن هذا أصبح وراء المفاوضين الذين يتحدثون في المقابل عن أن المراوحة الحكومية لا تزال عند اسم الحريري نفسه. ورغم امتعاض رئيس الجمهورية ميشال عون منه، إلا أنه قال أمام محدثيه إن الجميع لا يزال ينتظر أن يحسم الحريري أمره، وكذلك هو رأي بري وحزب الله. لأن الأفضلية لا تزال له، ولا سيما أن هذا الفريق تراجع خطوة الى الوراء لا بل خطوتين، بعدما انتقل من عدم القبول بحكومة تكنوقراط الى القبول بحكومة سياسية مطعمة بكنوقراط ومن ثم حكومة تكنوقراط مطعمة بسياسيين، في حين أن الحريري لا يزال عند المربع الأول، بحجة أن المجتمع الدولي سيمدّ لبنان بالدعم المالي فور تأليف حكومة تكنوقراط، طالباً إعطاءه مهلة محددة لعمر حكومته وقدرتها على إعادة تحريك العجلة الاقتصادية وتهدئة السوق المالية. ويلمح الحريري الى أن الأكثرية النيابية يمكن أن تسقط حكومته في أي لحظة إذا لم يتمكن من ترجمة وعوده. في حين أن توجّس حزب الله يكمن في أن تخلّيه مرة واحدة عن وجوده سياسياً في هذه الحكومة سيكون سابقة ويفتح الباب أمام حكومات أخرى من دونه.
لكن بحسب المطلعين إياهم، فإن مشكلة الحركة التفاوضية الحالية هي أنها لا تزال تتمّ بمعزل عن أمرين مهمين: ردة فعل الشارع، سواء ألّف الحريري الحكومة أو غيره، علماً بأن الحريري واحد من الذين شملتهم حركة الاعتراض الشعبية؛ والوضع المالي الذي يتدهور بتدهور سعر الليرة وتعثّر المصارف والسوق التجارية، وهذا يثير احتمالات كثيرة من ردات فعل تسبق أي استشارات حكومية. إذ ينقل عن أحد المراجع الرئاسية أننا أصبحنا في قلب العاصفة، لا بل في أكثر نقطة خطرة فيها، وهذا يفترض أن يبادر كل من موقع مسؤوليته الى اتخاذ قرارات سريعة، قبل أن تزيد أوضاع الناس سوءاً.
في الوضع الأمني، ومع جولة قائد الجيش ومدير المخابرات على المراجع السياسية والمصرفية، تحدثت معلومات عن جانبين أساسيين من هذه الحركة التي جاءت للمرة الأولى منذ بدء الاعتصامات، وسبقها بطبيعة الحال لقاء مع رئيس الجمهورية، بعد الاجتماع الموسع للقادة الأمنيين الذي عقد في وزارة الدفاع. يتعلق جزء أساسي من مرور الجيش والقوى الأمنية بسلسلة أحداث ومواجهات على الأرض وقطع طرق. كان ضرورياً بعد ما حصل في جلسة مجلس النواب وحوادث الرينغ وعين الرمانة ــــ الشياح وطرابلس وبكفيا، أن تتوسع حركة الجيش ومعه القوى الأمنية في اتجاه تأمين أوسع تغطية سياسية. وقد وُضع الرؤساء في حقيقة التدابير المتخذة. كما كشفت أمامهم طبيعة الإجراءات، وجرى استعراض كل نقاط القوة والثغرات التي يمكن أن تكون قد وقعت، وجرت نقاشات مفصلة في كل التدابير الآيلة الى منع إقفال الطرق وضبط الوضع الأمني، وخصوصاً في مناطق حساسة. وكان الرؤساء الثلاثة حريصين على التحذير من خطورتها وعدم السماح بانفلات الأمور، ولا سيما لجهة التوجس من مغبة التوترات الطائفية. وقد سمحت هذه اللقاءات بإجراء مكاشفة معمّقة في كل ما جرى خلال الأسابيع الماضية، بالتفصيل، ووضع الرؤساء الثلاثة في خريطة الطريق التي اعتمدتها القوى الأمنية كافة، وطرحت أمامهم صورة شاملة عن المحاذير والصعوبات وكذلك عن الإيجابيات التي سمحت حتى اليوم بمنع انفلات الوضع على الأرض، في تجربة جديدة على كل الأجهزة الأمنية.
كذلك ساهمت اللقاءات في الحديث عن الوضع المالي وتأثر المؤسسات الأمنية به في شكل حاد. فعدا عن الرواتب التي تأمنت هذا الشهر، كما المحروقات اللازمة، إلا أن الجيش يخضع أيضاً لتأثيرات سعر صرف الليرة وعدم تأمين كامل احتياجاته من التجار. وهو يحتاج الى مجموعة تدابير وإجراءات مالية من الوزارات والأجهزة المعنية، للمساعدة ليس فقط للإبقاء على جاهزيته وإنما أيضاً لتأمين دورة حياة يومية، سواء من تأمين كل مستلزمات الأكل للجنود، وهذا ليس تفصيلاً، وخصوصاً مع استنفار جميع القطع العسكرية منذ أكثر من شهر وانتشار الجيش على الطرق. إضافة الى أن الجيش يحتاج الى تغطية مالية للمعدّات الطبية ولإصلاح أعطال آلياته، وبينهما مثلاً أحد المراكب، موجود خارج لبنان، يحتاج الى معالجة عطل فيه، كما أن الطيارين لا ينفّذون سوى ساعة طيران واحدة بدل 25 ساعة.