لا تعكس المواقف التي اطلقها السفير الروسي الكسندر زاسبيكين الرؤية الحقيقية لموسكو ازاء الازمة اللبنانية ولا تشكل مرآة لها. فالكلام الذي اطلقه اخيرا عبر قناة “المنار” نحو الحراك الشعبي وتأكيده وجوب تمثيل “حزب الله” في الحكومة لم يلق اصداء ايجابية في الدوائر الديبلوماسية في بلاده التي لم تخف انزعاجها من المواقف “الفاقعة” لممثل ديبلوماسيتها في لبنان في لحظة بالغة الحراجة حيث الشعب ينتفض ضد السلطة بتهمة الفساد.
فبحسب ما تكشف مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”، ذهب السفير زاسبيكين بعيدا في مواقفه وجنح في اتجاه وضع بلاده في مواجهة مع الشعب اللبناني الذي صوّره اداة في وجه الولايات المتحدة الاميركية، حينما اعلن ان واشنطن تتآمر لتخريب لبنان، علما بأن موسكو ليست في هذا الاتجاه الذي رفضه الشعب تماما رفض اي تدخل خارجي آخر، فرنسي او اميركي او ايراني، ولئن كانت لا تؤيد الانتفاضات في دول الشرق الاوسط خشية انزلاقها في اتجاه نزاعات وحروب دموية على غرار ما جرى في سوريا وغيرها من الدول المجاورة للبنان. وتبعا لذلك، وإزاء الاعتراض اللبناني الواسع على مواقف الديبلوماسية الروسية، عمد السفير زاسبيكين الى خفض لهجته وتجنب تناول المسائل اللبنانية الداخلية من جانب وجهة النظر.
وتعتبر المصادر ان موقف زاسبيكين ليس موجها للداخل اللبناني بقدر ما هو رسالة لواشنطن في اطار الكباش الروسي- الاميركي حول ملفات كثيرة من العقوبات على اوكرانيا الى ملفات دول المنطقة، كما جاء ردا غير مباشر على استبعاد موسكو عن اجتماع باريس الثلاثي الذي شارك فيه رؤساء دوائر الشرق الاوسط في وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، وهو ما ازعج روسيا التي ردت عبر سفيرها في لبنان الذي يبدو تخطى حدود مضمون الرسالة الى ما هو اعلى مصيبا بها اللبنانيين المنتفضين.
وتعزز المصادر وجهة نظرها هذه بالاشارة الى تطور الموقف الثلاثي في اتجاه توسيع بيكار الدول المشاركة في بحث ازمة لبنان بحيث تنعقد على مستوى مجموعة الدعم المشاركة فيها روسيا في النصف الاول من الشهر المقبل مبدئيا اذا ما نجحت فرنسا في حسم الموعد الذي تسعى لتثبيته بحيث تقدم المجموعة الدعم والمساعدات المالية التي يحتاج اليها لبنان بإلحاح، وتسرّع وتيرة تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”. وسترأس فرنسا عبر وزير خارجيتها جان إيف لودريان الاجتماع على مستوى الأمناء العامين للوزارات المشاركة والمعنية من الدول التي تضمها المجموعة.
كما تشير المصادر الى ان موسكو، بحسب ما ينقل عنها زوارها من المسؤولين السياسيين اللبنانيين الذين قصدوها تباعا الصيف الماضي، لم يلمسوا اتجاها روسيا لدعم فريق على حساب آخر في لبنان، وهي تحرص على الاستقرار وتخشى الفوضى لا اكثر، مشيرة الى ان حقيقة الموقف الروسي تمكن قراءتها في الممارسات والافعال لا في الاقوال. فموسكو التي تقف الى جانب النظام السوري وتُعتَبر حليفة لطهران وحزب الله هي نفسها التي تنسج علاقات قوية ومتينة مع الدولة العبرية التي تسرح وتمرح في الفضاء السوري مستهدفة مواقع ايران وحزب الله وهي نفسها التي تعقد قمما مع زعماء اسرائيل وستشهد ذكرى محرقة اليهود “الهولوكوست”، التي تقام في 24 ايار المقبل، محطة جديدة منها، حيث يشارك الرئيس فلاديمير بوتين الى جانب زعماء اخرين ابرزهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في احياء اليوم العالمي للذكرى في القدس.