كتب عمر حبنجر في “الانباء الكويتية”:
غيّبت أزمة المحروقات المفاجئة الاهتمام العام بتشكيل الحكومة العتيدة، ونابت محطات توزيع البنزين والمازوت عن الحراك الثوري بقطع كل الطرق في المناطق، طوال نهار وليل الجمعة، بخراطيمها المرفوعة، التزاما بالإضراب العام، احتجاجا على تخبط السلطة في حماية الليرة من «الذئب الأخضر» أكان على صعيد المصارف او مكاتب الصيرفة، ما رد عليه أصحاب السيارات والسائقون، بترك السيارات التي نفد وقودها في وسط الشوارع.
ونجمت نقطة الخلاف عن معادلة استيراد المحروقات بالدولار، وتوزيعه على المستهلكين بالليرة، وقد وافق المصرف المركزي على تغطية 85% من مردود البيع بالليرة، بالدولار وفق سعره الرسمي الذي مازال ضمن 1507 ـ 1515، ليبقى على الشركات المستوردة تغطية الـ 15% الباقية من دولار السوق السوداء الذي بلغ سقف 2200 ليرة يوم الخميس، ليهبط أمس الأول الى 1700 ليرة للدولار و2100 أمس، وهو ما رفضته الشركات المستوردة بحجة خسارتها ما يوازي دولارا واحدا، في كل صفيحة (20 ليترا).
وحملت وزيرة الطاقة ندى بستاني حاكم مصرف لبنان مسؤولية التفرد بالحلول دون التنسيق معها.
وتوقف شركات الاستيراد عن تسليم المحروقات لمحطات التوزيع جعل النقابة الراعية لمصالح أصحابها تعلن الإضراب ورفع خراطيمها إشارة الى التوقف عن التوزيع، الأمر الذي أقفل الشوارع بطوابير السيارات، ما انتهى الأمر الى تقاسم الخسارة مناصفة بين وزارة الطاقة وشركات الاستيراد، وبالتالي الإفراج عن المحروقات عند منتصف الليل، مؤقتا على الأقل، وهو كان ممكنا قبل إعلان الإضراب.
واعتبارا من امس عادت المسألة الحكومية الى أرجوحة الاتصالات والمساومات، ومعها عادت أسهم م.سمير الخطيب، المدير العام لشركة خطيب وعلمي الهندسية، تعلو وتهبط، وواضح أن المشكلة ليست عند الخطيب، ولا بالأسماء التي طرحت من قبله، إنما في الآلية التي تحكم تشكيل الحكومات في لبنان، وفي الالتزام الكيفي بهذه الآلية، التي توجب ان يدعو رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس المفترض تسميته لتشكيل الحكومة، لكن الرئيس ميشال عون، تمسك بأولوية التوافق على الرئيس الذي يتولى تأليف الحكومة واختيار أعضائها، قبل ان يسلمه قرار التكليف، الأمر الذي اعتبره رئيس الحكومة المستقيلة، والمطلوب تكليفه مجددا بمثابة وضع العربة أمام الحصان.
عمليا، ما يعيق الاستشارات وبالتالي التكليف فالتأليف، هو البرنامج وطبيعة الحكومة، فالحريري مستعد لتشكيل حكومة تكنوقراط من أهل الاختصاص فقط، وحتى في حال ابتعاده، لمصلحة مرشح آخر فإنه يشترط لتغطيته ان يشكل حكومة ذات المواصفات وبصورة استثنائية، وهو ما لا يوافق عليه الطرف الآخر، ومن هنا يمكن فهم تردد الحريري في القبول وعدم دعوة الرئيس عون للاستشارات النيابية، واليه إصرار وزير الخارجية جبران باسيل على تسمية 4 وزراء للتيار الحر، في الحكومة العتيدة، إذا كانت الحكومة مؤلفة من 24 وزيرا، وثلاثة وزراء إذا كانت من 18 وزيرا، وأن تكون حكومة تكنوسياسية، مصرا على الاحتفاظ بحقيبة الخارجية أو الداخلية على أن يتولاها شخصيا، وأن تبقى وزارة الطاقة لندى بستاني والبيئة لفادي جريصاتي والدفاع لإلياس بوصعب، وفق صحيفة «اللواء» البيروتية.
ويبدو ان هذه الشروط المسبقة من قبل باسيل هي التي ادت الى رفض كل الشخصيات التي جرى الحديث معها لتولي رئاسة الحكومة واعتذارها تباعا، بحكم قناعتهم بأن ما يقوله باسيل نافذ على أصله عند الرئيس عون.
وفي معلومات لـ «الأنباء» ان باريس نصحت الرئاسة اللبنانية بتكليف الحريري بتشكيل الحكومة، وإلا فستكون الحكومة العسكرية الخيار الوحيد الممكن، لأن الأوضاع اللبنانية لم تعد تحتمل.
مصادر المعلومات الموثوقة أضافت ان الولايات المتحدة وضعت العناوين الرئيسية لما يجب ان يكون عليه الوضع في لبنان، وعهدت الى باريس بالمعالجات التفصيلية.
وما تريده واشنطن وفق تلفزيون لبنان الحكومي وقف تدخل حزب الله في ازمات المنطقة، ووقف تفرد وزير الخارجية جبران باسيل بقرارات مجلس الوزراء المتعلقة بالمؤتمرات والمحادثات الخارجية، إضافة الى سحب ملف الغاز والنفط من يد رئيس مجلس النواب نبيه بري وحصر المؤتمرات والاتصالات والمباحثات بمجلس الوزراء.
على صعيد الحراك الثوري، عقد امس لقاء مصالحة على جسر «الرينغ» في وسط بيروت، بين الثوار ودراجي «الخندق الغميق» على غرار أهالي الشياح وعين الرمانة.
ونظمت تظاهرة بيروتية من منطقة فردان (رأس بيروت) إلى ساحة الشهداء، وغصت ساحات طرابلس وصيدا وجل الديب في حين نظم حراكيو طرابلس حملة تبرع بالدم للجيش.