كتبت بولا أسطيح في “الشرق الاوسط”:
تنصرف الأحزاب والقوى السياسية في لبنان إلى محاولة استيعاب مطالب الحراك الشعبي من خلال تحديث مجموعة من الأوراق الاقتصادية التي طرحتها نهاية الصيف الماضي وأبرزها الورقة التي أقرتها حكومة تصريف الأعمال مباشرة قبل استقالة رئيسها سعد الحريري فيما عرف بورقة بعبدا المالية – الاقتصادية، إضافة لأوراق حزبية تهافتت القوى السياسية على صياغتها قبل اندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول الماضي.
وتُعتبر الأزمتان المالية والاقتصادية اللتان تعصفان بالبلاد، الأخطر منذ الاستقلال، بحسب الخبراء، ما يستدعي إجراءات استثنائية وخطة طوارئ للحد من الانهيار الحاصل. وبحسب مصادر نيابية في تيار «المستقبل»، فإنه «ولو أدت الظروف لعودة الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، فهو سيعمل على تحديث الورقة الإصلاحية التي تقدم بها وأقرتها الحكومة في شهر أكتوبر الماضي، باعتبار أن الأزمة استفحلت وباتت تتطلب إجراءات أقصى وأشد»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أننا حالياً في مرحلة الانهيار وكأننا في طائرة تهوي، فإما يكون السقوط مدوياً أم يكون هناك من يقود عملية هبوط الطائرة بأقل الأضرار الممكنة، وذلك لا يمكن أن يحصل إلا من خلال حكومة تكنوقراط تحظى بدعم وثقة المحتجين والمجتمع الدولي، «ما يؤمن ضخ عملات أجنبية في البلد بتنا بأمسّ الحاجة إليها».
وتضمنت الورقة الاقتصادية التي تقدم بها الرئيس الحريري بعد أيام من اندلاع الحراك الشعبي، 24 إجراءً وصف الخبراء بعضها بـ«غير المسبوق»، سواء لجهة الاتفاق مع البنوك على خفض تكلفة الدين العام، وفرض ضرائب على أرباح المصارف لمدة عام واحد وخصخصة قطاع الهاتف المحمول، والشروع في إصلاح قطاع الكهرباء، وإقرار مناقصات محطات الغاز، فضلاً عن خفض رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المائة، وإلغاء جميع الصناديق (المهجرين – الجنوب – الإنماء والإعمار).
وفي أيلول الماضي تقدم تكتل «لبنان القوي» كما «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» بأوراق إصلاحية إلى الحكومة اللبنانية، بالتزامن مع البدء بمناقشة موازنة عام 2020. ولحظت ورقة «التكتل» إجراءات على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتضمنت مقترحات عدة أبرزها: خفض عجز الموازنة، تطبيق خطة الكهرباء قبل زيادة التعرفة، إلغاء بعض المؤسسات والمجالس أو دمج بعضها، تجميد أي زيادة للرواتب والأجور، خفض ميزان المدفوعات، وتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج، وغيرها من الإجراءات.
ويوضح المستشار الاقتصادي لـ«التيار الوطني الحر» شربل قرداحي، أن هذه الورقة ترتكز على إصلاحات هيكلية وبنيوية، وقد بات واجباً بعد 17 أكتوبر إدخال أمور إضافية ملحة عليها ككيفية التعامل مع الأزمة الحالية لجهة نقص السيولة والدولار، وارتفاع الفوائد على المواطنين والبنوك، والتقييد الحاصل على خروج الودائع.
وتحدث قرداحي لـ«الشرق الأوسط» عن 3 أولويات إنقاذية: الأولى تلحظ تنظيم تقييد رؤوس الأموال كي تكون عادلة وتترافق مع تسهيل إتمام التحويلات الصغيرة، الثانية، خفض الفوائد على الدولار والليرة للدائنين والمدينين كما الفوائد التي تدفعها الدولة اللبنانية لحاملي السندات. وثالثاً، النظر في حزمة إصلاحية – مالية متكاملة داخلية مع إمكانية أن تصل مساعدات من الدول الصديقة للبنان. وكما الورقة العونية، لحظت ورقة «القوات» مجموعة إجراءات لإصلاح الوضعين الاقتصادي والمالي من خلال سلسلة خطوات قانونية وإدارية وإجرائية، إضافة لتدابير تطال التحصيل الجمركي، وقطاعي الطاقة والاتصالات والمؤسسات العامة والإدارات والهيئات، إضافة لإطلاق برنامج لشركة مؤسسات عامة تمهيداً لإشراك القطاع الخاص، وإلغاء المؤسسات العامة التي انتفت جدواها، وتعزيز الثقة التمويلية.
ويعتبر مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور أن الأولوية اليوم وبالتحديد بعد 17 (أكتوبر) لم تعد للأوراق الاقتصادية، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «المطلوب وبشكل ملح الدعوة لاستشارات نيابية ملزمة ومن ثم تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وبعد ذلك تنفيذ الأوراق الإصلاحية»، مضيفاً: «قبل ذلك لا جدوى من الكلام عن أوراق». أما الحزب «التقدمي الاشتراكي» فكان قد تقدم بدوره بورقة مطلع أكتوبر تطال بشكل أساسي ترشيد الإنفاق وتخفيض العجز. إلا أنه وبعد انطلاق الحراك الشعبي، خرج رئيس الحزب وليد جنبلاط ليعلن رفض ورقة الحريري الإصلاحية داعيا للسير بانتخابات نيابية مبكرة وفق نظام انتخابي جديد.
وظل «الثنائي الشيعي» الوحيد بين القوى السياسية الذي لم يطرح ورقة اقتصادية، وقالت مصادره لـ«الشرق الأوسط» إنها ركزت عملها الإصلاحي في موازنتي 2019 و2020.