كتبت وليد شقير في “نداء الوطن”:
لا يبدو أن أولوية تأليف الحكومة على جدول أعمال تحالف “حزب الله” ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما يرى مصدر سياسي بارز معني بما يجري في كواليس الاتصالات السياسية، على رغم التوافق الظاهر على تزكية إسم المهندس سمير الخطيب، وعلى رغم حصول التوافقات المطلوبة حوله.
وإزاء ضغوط الحراك الشعبي والدول المعنية بالشأن اللبناني لتسريع تأليف الحكومة، فإن المصدر السياسي نفسه يقول لـ”نداء الوطن” إنه لا يستبعد أن يلجأ الرئيس عون إلى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة هذا الأسبوع، بحيث تتم تسمية الخطيب للتخفيف من هذه الضغوط على الرئاسة، لكن من دون أن يتمكن من تأليف الحكومة قريباً.
إستشارات لإزالة عبء التأخير؟
ويضيف المصدر: “بهذه الطريقة تتم إزاحة عبء تأخير التكليف عن كاهل الرئيس عون وعن حليفه “حزب الله” الذي كان أساساً وراء تأخير الاستشارات النيابية، فيجري التركيز من قبل “الحزب” على ضرورة تفعيل تصريف الأعمال من قبل الحكومة المستقيلة برئاسة سعد الحريري، بحجة انتظار قيام الرئيس المكلف باتصالاته التي قد تمتد طويلاً من أجل التأليف”.
وتكون حجة رئيس الجمهورية في هذه الحال أنه أخّر الاستشارات للتفاهم مع الحريري على صيغة الحكومة المقبلة، وأن تكليف الخطيب حصل بعدما تمنّع الحريري عن تأليفها.
كسب الوقت وتحميل الحريري المسؤولية
ويعتبر المصدر أن “حزب الله” يخوض لعبة تعليق تأليف الحكومة في انتظار التطورات الإقليمية المفتوحة على فصول من التوتير والاضطراب في بعض الميادين، وعلى التفاوض والتسويات في ميادين أخرى، في إطار الكباش الإيراني – الأميركي في المنطقة. ولذلك يترك “حزب الله” الموقف متأرجحاً بين الإصرار على عودة الحريري (بشروط “الحزب” وعون) إلى رئاسة الحكومة رغم توافقه معه على تسمية الخطيب، وبين الإلحاح مع رئيس البرلمان نبيه بري وعون على أن يتولى الحريري تصريف الأعمال في ظل المزيد من التدهور الاقتصادي المالي. وفي الحالتين يرمي “الحزب” إلى تحميل الحريري مسؤولية إيجاد الحلول لهذا التدهور. كما أنه يكسب وقتاً ويظهر مسهّلاً في الشأن الحكومي، من دون أن يلزم نفسه بأي تفاهم سياسي مباشر يأخذ في الاعتبار ما أفرزه الحراك الشعبي من معطيات جديدة على الواقع السياسي وعلى أداء السلطة، كما يعتقد الحريري في تبريره حكومة الاختصاصيين.
وبذلك يحافظ “الحزب” على حلفه مع عون و”التيار الوطني الحر” ويحول دون إضعافه في قلب السلطة عبر إبعاد الوزير باسيل عن أي حكومة جديدة، في ظروف إقليمية متحركة يحتاج فيها “الحزب” إلى حليفه المسيحي.
وفي رأي مصادر وزارية في حكومة تصريف الأعمال أن ما يفسر عدم ممارسة “حزب الله” أي جهود مع باسيل لإقناعه بالتخلي عن شرط اشتراكه في الحكومة إذا ترأسها الحريري، دليل على عدم الاكتراث بقيام حكومة جديدة. ورغم عودة قيادات “الحزب” إلى الإصرار على أن يرأس الأخير الصيغة الجديدة، فإنه لم يمارس أي دور في إقناع باسيل بالإقلاع عن شروطه التي يطرحها على المرشحين البدلاء للحريري، بالإصرار على تسمية الوزراء المسيحيين سواء كانوا تكنوقراطاً أو سياسيين في حكومة تكنو- سياسية، وعلى عودة الوزراء الياس بوصعب، ندى البستاني وسليم جريصاتي، خلافاً للتوجه القائل بعدم استنساخ الحكومة المستقيلة. وتعتقد هذه المصادر أن “الحزب” لو أراد لأقنع باسيل بالعودة عن هذه الشروط، لكنه يترك له رفع سقفه لأنه ليس في أجندته قيام حكومة بديلة قريباً.
“البانادول” وإلحاح المعالجات
إلا أن مصدراً وزارياً آخر أبلغ “نداء الوطن” أن البلد لم يعد يحتمل تأجيل المعالجات الاقتصادية المالية، وأن الاجتماعات التي تعقد في القصر الرئاسي لإيجاد الحلول منذ أسابيع، تشبه إعطاء المريض الذي تسوء حالته كل يوم أقراص “بانادول” لا أكثر.
ويشير المصدر إياه إلى أن الاجتماع الأخير برئاسة عون تضمن قرارين جديدين على رغم أنه خرج بقرارات تشبه سابقاتها، وأن البيان الذي صدر عنه نسخة عن بيانات اجتماعين سابقين. والقراران الجديدان اللذان تُرك إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خطوات تطبيقهما، هما أولاً رفع قيمة ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة لبنانية إلى ما يقارب الخمسين ألف دولار أميركي، بهدف طمأنة المودعين إلى أموالهم في المصارف للتخفيف من التسابق على سحب مبالغ منها، ولإعادة ثقة المودع بالنظام المصرفي.
أما القرار الثاني فهو خفض الفوائد على المودعين وعلى الدائنين لعل ذلك يحرك الاقتصاد بمشاريع، خصوصاً أن انكماش الاقتصاد لا يتطلب مثل الفوائد المرتفعة حالياً. وهذا الإجراء يحتاج إلى تفاهم سلامة مع جمعية المصارف.
إرتباط الاستثمار بالثقة والاستقرار يساوي حكومة
وعلمت “نداء الوطن” أنه على رغم هذين القرارين، فإن مستشار الحريري الاقتصادي أبلغ الحاضرين في الاجتماع الذي ترأسه عون أن “الصراحة تقتضي القول إن مشكلتنا الاقتصادية المالية تزداد خطورة، والاعتقاد بأن الحلول لها سهلة غير صحيح على الإطلاق. وتوجه المنلا إلى عون قائلاً: سأكون صريحاً. بدأت أزمتنا بنقص السيولة لكننا سننتهي بأزمة في الإنتاج والاستهلاك ستنتج عنها موجة بطالة كبرى قد ترمي ما بين 400 الى 500 ألف لبناني خارج العمل، ما يعني أزمة اجتماعية هائلة”.
وأكد المنلا أن الحل يشمل 3 عناصر:
1 – تأليف حكومة لها صدقية في الداخل والخارج.
2 – وضع خطة لخمس سنوات تبدأ بالإجراءات التي تعيد الثقة بالاقتصاد الذي يشهد للمرة الأولى منذ 28 عاماً انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، أي منذ حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، من أجل تحقيق الإصلاحات البنيوية ووقف مسارب الهدر والفساد ثم تنشيط الاقتصاد تدريجاً.
3- أن نتعاون مع المجتمع الدولي في وضع وتنفيذ هذه الخطة لأن لا قدرة ذاتية لدينا للخروج من الأزمة كوننا نحتاج إلى ضخ كميات كبيرة من السيولة في البلد.
وهنا أيد كلامه سلامة قائلاً: “نحن فعلياً نحتاج إلى ما بين 5 و 10 مليارات دولار أميركي ومن هنا نحتاج إلى المجتمع الدولي لمساعدتنا”.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”نداء الوطن”إنه لم يعلق أي من الحاضرين على كلام المنلا بل إن الصمت ساد القاعة.
وترى المصادر الوزارية أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت وتفرعت منها أزمات كثيرة في المصارف والسيولة، والمحروقات والمواد الغذائية والاستهلاك والعمالة، بحيث لم يعد ممكناً أن تعالجها حكومة تصريف الأعمال، التي يعتقد الحريري نفسه أن الإصرار على تفعيلها يعني طي صفحة تأليف الحكومة الجديدة، خصوصاً أنها لا تستطيع تشكيل خلية أزمة تعالج التدهور.
وتنتهي إلى القول إنه إذا كان الهدف من بعض الإجراءات تشجيع الاستثمار في الاقتصاد اللبناني، فإن هذا يحتاج ثقة، والثقة تتطلب استقراراً سياسياً الأمر الذي يعني وجود حكومة يمكن الركون إليها لوضع الحلول على السكة، وليس حكومة لا ثقة بها لا من الحراك الشعبي ولا من المجتمع الدولي.