تقترب الثورة الشعبية من طي يومها الخمسين والوضع الحكومي على حاله، في وقت يمضي أفرقاء السلطة في رهانهم على تعب المتظاهرين، علما أن هؤلاء يلعبون “صولد” في معرض لعبة عض الأصابع التي يجرهم إليها أفرقاء الحكم. هذا الوقت الضائع، لا يجد المتصارعون على الحلبة الحكومية ضيرا في ملئه بالشروط والشروط المضادة، في انتظار أن تدق ساعة الحسم أو… الاتفاق.
هذه هي حال كل من حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي يجد نفسه في حمأة الكباش مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، حول شكل الفريق الوزاري العتيد وموازين القوى فيه. ففي وقت لا يزال الحريري عند شرطه الأول من حيث تشكيل حكومة تكنوقراط، تبعا لما يطالب به الشارع المحتقن، لم يتغير شيء في الموقف العوني: لا استشارات قبل الاتفاق على تلازم مساري التكليف والتأليف، الذي يجب أن تتمخض عنه حكومة تكنوسياسية. وإذا كان أحد لا يشك في أن تصلب المواقف هذا من شأنه وضع العصي في دواليب العربة الحكومية، فإن الصبر البرتقالي بدأ ينفد، حيث يلوّح العونيون بموقف قاس ما عادوا بعيدين عن إعلانه، إذا لم يكتب النجاح لاحتمال قذف كرة نار التأليف إلى ملعب سمير الخطيب.
على أن الأهم يكمن في أن هذا الأخير يواصل لقاءاته السياسية في محاولة لنزع ألغام لا تزال تعترض طريقه إلى السراي، وآخرها لقاء جمعه برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وفي وقت يحرص المعنيون على إحاطة هذا الاجتماع بجدار من التكتم حتى “لا تحترق الطبخة”، اكتفت مصادر في تكتل لبنان القوي بالاشارة عبر “المركزية” إلى أن الخطيب “ما كان ليسجل هذه الحركة المكوكية لو لم يكن على يقين بتمتعه بضوء أخضر من عدد من المرجعيات”، في إشارة مبطنة إلى الحريري.
وفي انتظار ما ستؤول إليه التطورات الحكومية، على وقع مخاوف إزاء احتمالات حرق ورقة الخطيب، تماما كما كانت الحال عليه مع مخرج الصفدي، خصوصا في ضوء جرعة الدعم المهمة التي مد بها حزب الله الرئيس الحريري في اليومين الأخيرين، شددت مصادر لبنان القوي على أن التيار لم يغير تموضعه الحكومي قيد أنملة، خصوصا أن وضع البلد ما عاد يحتمل الرقص على حافة الانهيار. وفي السياق، أكدت المصادر “أننا نؤيد خيار تشكيل حكومة يتأمن لها الغطاء السياسي اللازم لاتخاذ القرارات الجريئة، خصوصا أننا في وضع اقتصادي صعب جدا”.
وردا على إصرار الرئيس الحريري، تماما كما االثوار، على تشكيل حكومة إخنصاصيين خالية من الوجوه السياسيىة، لا سيما تلك المصنفة “استفزازية”، نبهت المصادر إلى “أننا لا نعرف من سيسمي الوزراء الاختصاصيين، مشيرة إلى أن “إذا كان رئيس الحكومة المستقيل يستطيع تحمل تبعات ذلك، فنحن لن نكون مسؤولين عنه”، ومذكرة بأن “اتفاق الطائف نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعا وليس إلى شخص رئيس الحكومة”، في ما يمكن اعتباره سهما في اتجاه بيت الوسط.
على أي حال، فإن واقعية سياسية تفرض على التيار ترقب ما ستتمخض عنه جولات الخطيب المكوكية، علما أن الدائرين في الفلك البرتقالي يرجحون أن التيار ما عاد بعيدا من اتخاذ موقف حاسم في حال سقوط خيار الخطيب، من دون أن يفوّت على نفسه فرصة رمي كرة الفشل في ملعب “من أجهض المخارج السابقة”، وفي ذلك أيضا قنص مركز في اتجاه شريك التسوية السابق.