Site icon IMLebanon

“أحد وضوح” الشمس: الإنتفاضة “تتربع” و السلطة “تتصدع”!

كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:

في “أحد الوضوح” يؤكد الشعب اللبناني وضوح الأهداف لانتفاضة 17 تشرين، على الرغم من المحاولة البائسة لتشويش الرؤية وحجب شمس الحق، على طريق بعبدا امس، حيث عمد “التيار العوني” إلى “اختراع” شارعه للتمويه على المطالب المحقة، مقابل شارع المنتفضين الذين أرادوا أن يسمعوا رئيس الجمهورية صوتهم، ويتجدد اشكال المواجهة مع السلطة، ويمضي رغم كل المصاعب نحو أفق لبناني جديد، عنوانه المواطنية في مواجهة كل وسائل تقويضها، لصالح الحاكم والرعية لصالح الزعيم والتابعين، لصالح الدويلة لا الدولة.

على هذا المسار من استعادة الدولة والدستور والقانون، يمضي المنتفضون لتأكيد الحقّ في تشكيل حكومة من المستقلين، باعتباره مطلباً انقاذياً للبنان، لا رغبة في مزاحمة هذا الزعيم أو ذاك، بل لإدراك ووعي عميقين لدى عموم الشعب، بأن قواعد السلطة واللعبة السياسية التي أرستها منذ عقود ولا سيما في العقد الأخير، باتت عاجزة عن انتاج الحلول للأزمات التي استفحلت على مختلف المستويات الاقتصادية والمالية والسياسية.

هذا ما لا تريده السلطة وهي تعتقد واهمة، أن ابتزاز المواطنين بالأزمات المعيشية، وسعر صرف الدولار، ومختلف تداعيات السياسات التي اعتمدت في الحكومات السابقة، لا سيما في عهد الرئيس ميشال عون، سوف يؤدي الى استسلام الشعب لها، وما محاولات استثارة الفتنة الطائفية والمذهبية وعبارة “شيعة شيعة شيعة” ترميز لا لبس فيه لهذه المحاولات، سوى تعبير عن عزم السلطة لاستنقاذ قواعد اللعبة السياسية التي حكمت لبنان قبل الانتفاضة، تلك التي قامت على معادلة الأمن مقابل نهب الشعب، والأمن مقابل استباحة الدستور والقانون، والأمن مقابل الولاء الطائفي والزبائنية. فاحراق الخيم في صور ومهاجمة المعتصمين في بعلبك، وشيطنة ثوار جلّ الديب، واقتحام الساحات في وسط بيروت، لم تنفع السلطة، وأظهرت أن اللبنانيين باتوا أكثر وعياً وتمسكاً بنظام مصالحهم اللبناني، وبهويتهم الوطنية، ومبادرون الى إطفاء كل فتنة تحاول السلطة اشعالها، من مشهد “عين الرمانة والشياح” الى مشهد “التباريس وخندق الغميق”.

تفقد السلطة قدرتها على التجدد، لذا تحاول استنقاذ ما لا يمكن انقاذه، فهي لم تزل أسيرة عزلة ناديها السياسي الذي فقد قدرته على التفاعل مع الشعب، فقد قدرته على الاستجابة لمتطلبات التغيير الملحّ، هو نادٍ محكوم بالموت وهو يفقد مبرر وجوده وبقائه، فالسلطة الغارقة في الفساد والمحاصصة والزبائنية، انتجت أزمات عاجزة عن العمل بل التفكير في مجابهتها ومعالجتها، ذلك أنها تدرك أنّ عملية الإصلاح تتطلب اصلاحاً في الأدوات، فالبنى الحزبية التي تمثلها، ونظام الزعامة الذي تستند اليه، هو ما يجب إصلاحه وإعادة تدويره أولاً، حتى يمكن الحديث عن فرص لهذه السلطة بكل مكوناتها أن تستعيد ثقة الشعب.

بنى تحتية مهترئة

ما يهتز ويتصدع هو تلك البنى الحزبية المهترئة، التي باتت عاجزة عن انتاج قيادات وبرامج سياسية ووطنية، بل تفتقد حتى فرص التغيير في بناها الداخلية والتنظيمية، اذ يكفي أن أحزاب السلطة، لا تخجل من ان تعتبر رئيس الحزب أو أمينه العام أو زعيمه هو من يعطي الحزب القوة والزخم والشرعية. علماً أن حزباً لا يستطيع انتاج قيادة جديدة ونخباً حزبية، هو حزب ميت، وما استمراره الا احتفاء بهذا الموت. من هنا تتأتى فرصة ما تبقى من حياة للأحزاب التي حكمت وتحكم الدولة وتتحكم بها، فرص لاعادة التجديد ولاعادة الاعتبار للعمل الحزبي، فالحيوية التي عبر عنها الشعب اللبناني في هذه الانتفاضة، تجاوزت قدرة أحزاب السلطة على اللحاق بها، التي لم يعد لديها لمواجهة التحديات الوطنية على مختلف المستويات، الا وسائل التخوين والترهيب، فالمجتمع المدني الذي يبدع ويبتكر في جسم الثورة أو الانتفاضة، وسائله النضالية، وافكاره الثورية، وحلولاً لمشكلات تعاني منها الدولة، يفضح عجز القوى الحزبية السلطوية والتقليدية عن مواكبة المجتمع، عجزها عن المبادرة بغير القمع الفكري والأمني، من دون أن تعي أن هذا الأسلوب لم يعد مجدياً، بل بات عنصر قوة للتغيير الذي تمثله الانتفاضة اليوم. سيما أنّ هذه الأحزاب وتحديداً السلطوية منها، كانت شريكاً فاعلاً في السياسات التي أدت الى ما وصلت اليه الدولة ومؤسساتها والحياة السياسية من هزال ومن فساد واسترزاق.

التحدي الذي تفرضه الانتفاضة اللبنانية على هذه الأحزاب، هو ليس الموت، بل الحياة والتجدد واحداث التغيير السلمي والديموقراطي في البنى الحزبية، فالمأزق الذي تعانيه الدولة اللبنانية، لا يمكن مجابهته بإحالة أسبابه للمؤامرة الخارجية، ولا يمكن الاتكاء على هذه النظرية بعد مشهد الانتفاضة، والتهويل به بات مؤذياً لأصحابه، لأن ما يشهده لبنان هو انتفاضة حقيقية في وجه كل ما مورس من سياسات قدمت مصالح الخارج على الداخل، لذا هي ليست من اجل استعداء الخارج، بل انتفاضة من أجل وعي المصلحة الوطنية أولاً التي لن تستقيم بلا الانفتاح على العالم، لا استجدائه كما قالت وفعلت أحزاب السلطة.