منذ إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الاستقالة على وقع التحركات الشعبية، في خطوة وُصِفت بـ”الفردية” ومن دون التنسيق مع شركائه، دخلت العلاقة بين ركني سيبة التسوية الرئاسية، “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، منحى صعبا ومعقّدا وصلت الى حدّ “فقدان الثقة” بين رئيسيهما، الحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل.
ورغم اللقاءات والاتصالات الموزّعة بين قصر بعبدا وبيت الوسط، إلا ان شعور “عدم الثقة” كان يتعزّز لدى الطرفين. فما الذي حصل وأدّى إلى تراجع منسوب هذه الثقة بشكل كبير وسريع، في وقت كان يحرص كل من الحريري وباسيل على “حماية” التسوية ومنع سقوطها عند مفترق اي استحقاق؟
العارفون بخبايا المشاورات القائمة منذ انطلاق شرارة الانتفاضة قالوا، لـ”المركزية”، إن “الثقة اهتزّت منذ ان طالب الرئيس الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة بعيدة من الطبقة السياسية القائمة منذ عقود، لأن الشارع يغلي وبالتالي لا يُمكن إخراج الناس من الساحات الا بحكومة تحظى اولا وأخيرا بثقتهم. ففي رأيه ما بعد 17 تشرين ليس كما قبله، وبالتالي لا يُمكن قيادة المرحلة بالعقلية نفسها في ادارة الحكم وتشكيل الحكومات. فإذا تم تكليفي مجددا لا يُمكن تشكيل حكومة تضمّ الجميع على طاولتها، فكلما كان يتم وضع بند على جدول الاعمال نعقد لقاءات واتصالات مطوّلة لتمريره وغالبا ما كان يتمّ تأجيل البتّ به او الغاء الجلسة”.
من هنا لا بد من حكومة خالية من الاحزاب السياسية كافة “يرتاح” اليها رئيس الجمهورية اولا وحزب الله ثانيا لجهة “الغطاء” الاقليمي والدولي الذي يوفّره الحريري له في رئاسة الحكومة.
وعند هذا الاصرار لرئيس “التيار الازرق” على تشكيل حكومة تكون على مستوى الانتفاضة ويكون عنوانها “استعادة الثقة” قولا وفعلا من اللبنانيين اولا والمجتمع الدولي ثانيا كي يبدأ الشروع بالاستثمار في لبنان، “فهم” باسيل كما يروي العارفون بأن الهدف من تشكيل حكومة كهذه “اظهاره” بأنه الفاسد الوحيد في الدولة وتحميله مسؤولية تراكمات السنوات السابقة من العجز الاقتصادي والمالي، وباتت المسألة برأيه شخصية، لذلك رفض استبعاده عن اي تركيبة وزارية رابطا عودة الرئيس الحريري الى السراي بعودته الى الحكومة المقبلة”.
انطلاقا من ان هذا الخلاف بين الحريري وباسيل واستطرادا رئيس الجمهورية ميشال عون اذ ظهر ذلك جليا في العرض الرسمي لعيد الاستقلال، لا يعدو كَونه خلافا شخصيا راكمه سوء التفاهم كما يقول العارفون، بدأت مساعي المعالجة، لأنه انعكس على الازمة الحكومية وتحوّل الى ازمة في السياسة.
وفي السياق، تكشف اوساط سياسية عبر “المركزية” ان طرفا اوروبيا دخل على خط معالجة العلاقات المتوترة بين بعبدا وميرنا الشالوحي من جهة وبيت الوسط من جهة اخرى. وتحت هذا العنوان، يُجري دبلوماسيون غربيون اتصالات مع المعنيين من اجل تذليل عقبات “الخلاف الشخصي” من امام الحكومة في حين يتولى مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى لبنان يان كوبيش لعب دور المساعد على تشكيل الحكومة، وهو ما بدا من خلال جولاته شبه اليومية على المسؤولين والمعنيين بالازمة”.
ولفتت الاوساط الى ان “لا بد من اعادة ترتيب العلاقات بين عون والحريري والوزير باسيل، لأن التوتر بينهم انعكس سلبا على مسار تشكيل الحكومة، لاسيما ان هذا التوتر انسحب الى علاقة الرئيس الحريري بقوى الثامن من آذار، خصوصا حزب الله وهو ما عكسته المواقف التي ادلى بها النائب محمد رعد الاحد الفائت عندما طالب بحكومة وحدة وطنية وفق الطائف، داعيا حكومة تصريف الاعمال الى ان “تقوم بواجباتها وإلا ستُحاسب”.