لم يكن الرئيس سعد الحريري في حال افضل مما هو عليه اليوم. قد يكون هذا الكلام مستغرباً في زمن الثورة الشعبية على الحكّام وشعار “كلن يعني كلن” الذي يشكل المكون السني احد ابرز وجوهه في الساحات، وساحة النور في طرابلس ابلغ دليل. منذ استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 وما تبع الحدث من تطورات قسّمت اللبنانيين بين 8 و14 آذار، لمع نجم الحريري وأفل تكراراً بحسب الظرف السياسي وتقلبات اللحظة المحلية، الا ان يوم 29 تشرين الاول شكل نقلة نوعية في حياة الحريري السياسية حينما رفض “الانصياع” الى صوت السياسيين وقرر الاحتكام الى صرخات الشارع بعد 13 يوما على انتفاضته مطالبا باستقالة الحكومة، فقدمها معلنا انه “وصل الى طريق مسدود وصار لا بد من صدمة كبيرة لمواجهة الازمة”.
الاستقالة التي “اغاظت” الحلفاء في الحكم، لا سيما الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر الذين مارسوا ما يمكن من ضغوط لعدم بلوغ هذه اللحظة، فعلت فعلها في الشارع اللبناني عموما والسني خصوصا وولّدت موجة تعاطف واسعة مع الزعيم السني الذي خلع عباءة التسوية الرئاسية وانضم الى بيئة افتقد وهجها منذ ابرام التسوية الرئاسية عام 2016، الى درجة الاضمحلال، مقدماً من وجهة نظره مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، ليضع انذاك حدا للفراغ الرئاسي الذي استمر عامين ونصف العام واستنزف مقدرات البلاد بفعل اصرار فريق 8 آذار على مرشحه العماد ميشال عون حينها، هذه المصلحة نفسها التي قدمها مرة اخرى من امام المحكمة الدولية في لاهاي على قضية اغتيال والده.
يشعر الحريري بعد هذه الاستقالة بفائض قوة سياسي استمده من شعبه وبيئته مكّنه من الثبات على موقفه في رفض عودته الى الحكومة بشروط الاخرين، والصمود في مواجهة اصرار السياسيين على تشكيل حكومة لا ترضي الثورة، فأطلق معادلة حكومة بشروطي من دون اسماء استفزازية. هذه الحكومة التي يخشاها الثنائي والتيار الحر ورئيس الجمهورية، ولكل اعتباراته، قد تبصر النور باعتقاد مصادر سياسية متابعة ولئن استلزمت بعض الوقت، لان ثلاثي الحكم يدرك مدى الحاجة الى وجود سعد الحريري شخصيا على رأس حكومة الانقاذ، فخلاف ذلك لن يأتي بأي انقاذ بل سيترك البلاد لمصيرها المجهول بفعل العجز عن المواجهة. ذلك ان مقومات هذه المواجهة، كما تقول المصادر لـ”المركزية” لا يملك مفاتيحها الا الرئيس الحريري المدجج راهنا بوحدة صف سني خلفه من الشارع الى دار الفتوى الى رؤساء الحكومات السابقين ، ولذلك، وعلى رغم كل المناورات السياسية الهادفة الى الضغط على الرئيس المستقيل لتقديم ما يلزم من تنازلات لترؤس حكومتهم، فإن حزب الله ما زال متمسكاً بعودته الى الحكومة العتيدة لثلاثة اسباب رئيسية، اولها شبكة العلاقات الدولية، العربية والاجنبية التي يملكها الحريري الكفيلة بمد لبنان بالمساعدات التي يحتاجها للنهوض من السقطة الاقتصادية والمالية التي وقع فيها، والحزب يدرك ان لا شخصية غيره قادرة على تأمين الكمّ اللازم من الدعم لانجاح المهمة الصعبة التي تشير المعلومات الى ان عملية الانقاذ تتطلب ما يزيد على 20 مليار دولار.
ثانيا: يحتاج الحزب في مرحلة يتعرض فيها لاقسى انواع الضغوط الخارجية والحرب الاميركية عليه بالعقوبات والتصنيف الارهابي لغطاء سني لبناني واقليمي يقيه شر الخطر، يمكن للحريري ان يوفره في حكومة يرأسها على غرار ما فعل في حكومتي “استعادة الثقة” و”الى العمل” فكان خير من يبعد هذا الشبح عن الحزب من دون ان يستنفر المجتمع الدولي بتأكيده على الفصل بين شقي الحزب العسكري والسياسي المستمد حضوره من الشعب.
ثالثا: بعد التدهور الذي اصاب بيئة الحزب بفعل الثورة وانتفاض فئة واسعة من الطائفة الشيعية على “الثنائي”، لا بد ان تكون في رئاسة الحكومة، الموقع السني الاول في البلاد، شخصية تملك ما يكفي من الشعبية، لتوفير الغطاء للثنائي من جهة ومنع اي انزلاق نحو فتنة سنية –شيعية فيما لو تقلبت الاوضاع الاقليمية لغير مصلحة محور المقاومة والممانعة، من جهة ثانية.
استنادا الى هذا الجو تختم المصادر بالاشارة الى ان الرئيس الحريري، وعلى رغم كل ما يطرح من اسماء في سوق “الترئيس” سيبقى الرقم الصعب لترؤس حكومة الانقاذ التي لا مناص منها وغير ذلك لا يمكن ان يقود الى الحل.