تتحرك الطبقة السياسية اللبنانية في الوقت الضائع بانتظار أن تثمر الضغوط الخارجية للاتفاق على شكل الحكومة المقبلة وطبيعتها.
ويعود التمادي في تضييع الوقت من خلال فرض الشروط والشروط المضادة إلى عدم اضطرار أي طرف لتقديم تنازلات، وإلى غياب رؤية دولية واضحة حول واقع التوازنات التي يجب أن تفرض نفسها على الواقع اللبناني.
ويستند مراقبون في تفسير حالة الانتظار إلى معطيات رشحت عن مصادر دبلوماسية غربية تقر بأن أدوات لبنان المحلية غير قادرة على اجتراح حلول حكومية لأزمة البلد.
ونقل عن هذه المصادر أن التوازنات الإقليمية تحتاج المزيد من الوقت قبل أن يتضح مشهدها، وأنه يجب تأمل صورة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، كما مستقبل التسوية في اليمن وسوريا، ومستقبل الصراع في العراق. وتضيف المصادر أن تطور الأوضاع في لبنان سيكون نتيجة طبيعية لتطور الملفات الأخرى في الإقليم.
ورفضت تأكيد التسريبات التي خرجت عن قيادات في حزب الله تحدثت عن عدم وجود فيتو أميركي على الحزب للمشاركة في الحكومة المقبلة. وقالت إن هذه الأمور لم تناقش في الاجتماع رفيع المستوى الذي ضم دبلوماسيين من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، في التاسع عشر من نوفمبر الماضي في باريس.
وأوضحت المصادر أن عدم إثارة مسألة مشاركة حزب الله لا يعني أن العواصم المعنية تدفع باتجاه إشراكه في الحكومة العتيدة.
وضم اجتماع باريس الذي خصص للوضع اللبناني رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، ونظيريه الفرنسي كريستوف فارنو والبريطانية ستيفاني القاق.
وكان يفترض أن يلتقي المسؤولون الثلاثة في لندن هذا الأسبوع لاستكمال النقاش لكن مصادر دبلوماسية قالت إن الاجتماع أرجئ لمتابعة اتصالات حول التطورات اللبنانية.
ورأت مصادر سياسية مطلعة في بيروت أن الموفدين الدوليين التقوا مسؤولين من حزب الله في بيروت، وأن الحزب من خلال هذا التواصل فهم أن لا قطيعة غربية معه، لكنه فهم أيضا أن المزاج الدولي لا يمكنه أن يقبل حكومة لون واحد يقودها الحزب.
وأضافت المصادر أن تعفف الحزب عن الذهاب في هذا الاتجاه يعود إلى امتلاكه معطيات دقيقة في هذا الصدد، وإلى إدراكه أن طبيعة الأزمة السياسية وحجم الانهيار الاقتصادي لا يسمحان بأي مغامرة غير محسوبة.
وتقول مصادر برلمانية لبنانية إن حركة رجل الأعمال سمير الخطيب باتجاه القيادات السياسية توحي بأن اسمه ما زال مطروحا، خصوصا أن بعض المعلومات تتحدث عن أن النقاش معه طاول طبيعة الحكومة وعدد وزرائها كما سيناريوهات المشاركة.
والتقى الخطيب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وكذلك ممثلي الثنائية الشيعية، الوزير علي حسن خليل عن حركة أمل وحسين خليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.
واعتبرت المصادر أن المعطيات ما زالت ضعيفة للتحدث عن تقدم جدي في ملف تشكيل الحكومة.
واستغرب مراقبون التزام أوساط الحريري الصمت في مسألة مدى دعمه للخطيب. ففيما أفادت بعض المعلومات بأن اللقاء الأخير للخطيب مع الحريري استغرق بضع دقائق، تستمر منابر تيار المستقبل في الحديث عن موقف إيجابي للحريري حيال الخطيب وهو أمر أكده الأخير.
وترى بعض الآراء أن مصير اسم الخطيب شبيه بمصير اسمي محمد الصفدي وبهيج طبارة وغيرهما، والتي بقيت نظرية وسرعان ما خرجت من السباق لتشكيل الحكومة المقبلة.
وتذكّر هذه الآراء بأن نجاح تسمية أي شخصية سنية لهذا المنصب يجب أن يحظى بمباركة الحريري كما رؤساء الحكومة السابقين، تمام سلام وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، وكذلك دار الإفتاء. وكان سبق لهم كما للإفتاء تأكيد تمسكهم بالحريري مرشحا وحيدا لهذا المنصب.
وصدرت عن أوساط قصر بعبدا أجواء توحي بأن الرئيس ميشال عون يؤجل تحديد موعد الاستشارات النيابية بسبب عزمه التأكد من نضوج تفاهمات بإمكانها إنتاج حكومة في أسرع وقت.
وأوضحت هذه الأوساط أن الظرف استثنائي يستلزم سلوكا استثنائيا يجنب البلد الدخول في فراغ حكومي طويل الأمد. بيد أن بعض المراجع السياسية تعتبر أن ما يجري هذه الأيام هو انقلاب على دستور الطائف وسابقة لم تحصل منذ العام 1990.
وتضيف أن عملية تأليف الحكومة واختيار رئيسها تجري هذه الأيام في قصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية، وليس في السراي الحكومي، مقر رئاسة الوزراء. وتعتبر تلك المراجع أن هذا الأمر ليس فقط انتهاكا قانونيا للدستور، لكنه أيضا انتهاك ميثاقي من حيث أن الموقع الماروني الأول هو من يتولى مهمة تشكيل الحكومة، فيما هذه المهمة مناطة بموقع رئاسة الحكومة، الموقع السني الأول في المنظومة السياسية للجمهورية اللبنانية.
ويرى مراقبون أن المداولات الحالية لا تأخذ في الاعتبار الحراك الشعبي الكبير في البلد وتعتبره تفصيلا هامشيا إذا تحقق توافق بين المكونات السياسية الكبرى.
ويضيف هؤلاء أن سمير الخطيب قد لا يكون الاسم المناسب لإحداث صدمة إيجابية لدى الشارع اللبناني، خصوصا أنه رجل أعمال، تثار حوله أسئلة في شأن نشاطات إشكالية قام بها في السابق بصرف النظر عن أن الحملات ضده قد تكون مغرضة، تستهدف النيل من حظوظه لتبوء موقع رئاسة الحكومة.
ويرى مراقبون أن موقف الحريري ما زال غائبا حول مسألة تكليف الخطيب بسبب اعتبار المستقبل أن الأمر ليس جديا ولا يعدو أن يكون جزءا من مروحة الضغوط التي تعرض لها للقبول بما تريده الثنائية الشيعية المتحالفة مع التيار العوني.
ويرى سياسي لبناني أن لا منطق في أن يدعم الحريري شخصية أخرى قد تقبل بما رفضه لتشكيل الحكومة. ويضيف أن الحريري يريد حكومة اختصاصيين خالية من السياسيين، وصلاحيات استثنائية لها والذهاب إلى انتخابات مبكرة على أساس قانون انتخابات جديد.
ويتساءل حول وجاهة أن يقبل الحريري بأن ينسف غيره هذه الشروط ويقبل بحكومة تكنوسياسية يهيمن عليها الطاقم الحاكم نفسه.
وفيما تلمح مصادر التيار الوطني الحر إلى أن استمرار الخطيب في تحركه يعني أنه يحظى بضوء من مراجع سنية، ومن الحريري بالذات، ترجح بعض التحليلات وجود تفاهم بين الخطيب والحريري يتيح للأول التحرك ودخول نادي رجال السياسة المرشحين للعب دور وزاري لاحق، ربما، مع وجود اقتناع بأن لا رئيس حكومة مقبلا في لبنان إلا سعد الحريري.