شدد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات على أن “المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان الحديث هو الوعي الجماعي والمسؤولية المطلقة والحسّ الوطني وعدم ترويج الشائعات التي تساهم بدون أدنى شك في زعزعة الاستقرار النقدي وعامل الثقة، أي ثقة المجتمع وإيمان المودعين والمستثمرين باقتصادنا الوطني وبعملتنا الوطنية”، لافتاً إلى أن “الظروف الناشئة، لا سيما شحّ الدولار في الأسواق، تحتّم على الليرة اللبنانية استعادة أدوارها التقليدية الأربعة”.
وقال بركات في حديث لـ”المركزية”: إن للعملة الوطنية لأي بلد أربعة أدوار تقليدية يجب أن تضطلع بها هي: (1) أداة للتداول أي إجراء التبادلات التجارية وعمليات التسوق بالعملة الوطنية، (2) وحدة محاسبة أي اعتماد العملة الوطنية للأغراض المحاسبية، (3) عملة ادّخار أي إقدام المودعين والمستثمرين على الادّخار بالعملة الوطنية، (4) أداة إقراض أي إقدام المقرضين على إعطاء قروض بالعملة الوطنية.
وتابع: في لبنان، فقدت الليرة اللبنانية أدوارها كافةً في فترة الحرب الأهلية التي شهدت تدهوراً ملحوظاً للنقد الوطني في حين أنها لم تستعد إلا جزءاً منها في فترة ما بعد الحرب أو فترة الاستقرار النقدي. في هذا السياق، إن الظروف الناشئة مؤخراً، لا سيما شحّ الدولار في الأسواق، تحتّم على الليرة اللبنانية استعادة أدوارها التقليدية الأربعة:
– أولاً، يجب تعزيز دور الليرة كأداة للتداول، بحيث تجري التبادلات التجارية على نحو متزايد بالليرة اللبنانية. إن العملة الوطنية لم تستعد اليوم هذا الدور لأن أغلب العمليات، ولا سيما الكبيرة منها، لا تزال تنفّذ بالدولار الأميركي. نذكر على سبيل المثال أن حجم الشيكات المتقاصة بالليرة يشكل اليوم أقلّ من 38% من مجموع الشيكات المتقاصة، فيما 62% منها بالعملات الأجنبية. من هنا أهمية التسعير بالليرة اللبنانية من قبل كلّ التجار بالجملة والتجزئة، والاستخدام المطلق لبطاقات السحب والبطاقات الائتمانية والشيكات بالليرة اللبنانية وإصدار أوراق نقدية من الفئات الكبيرة، ما من شأنه أن يعزّز استعمال الليرة اللبنانية كأداة لإجراء التبادلات التجارية على اختلافها.
– ثانياً، يجب استعادة دور الليرة اللبنانية كوحدة محاسبة بحيث تُعتمد أكثر فأكثر للأغراض المحاسبية. من هنا، يجب على المؤسسات المالية والشركات الضخمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم أن تعتمد بشكل كامل على العملة الوطنية في محاسبتها وإعداد تقاريرها. وفي حين يصحّ بأن بعض المؤسسات الكبرى قد تنشر أحياناً حساباتها المالية بالدولار أو اليورو، إلاّ أن هذا الإفصاح يجب أن يأتي تكملة لعملية الإفصاح بالعملة الوطنية، وليس بديلاً عنها.
– ثالثاً، يجب إعادة دور الليرة اللبنانية كعملة ادّخار لاسيما في ظل دولرة ودائع تقارب اليوم 73% من إجمالي قاعدة الودائع. من هنا ينبغي العمل على تخفيض معدلات الفوائد بشكل خاص على الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية من ما يقارب 7% إلى حوالي 3%، لتتماشى أكثر مع معدلات الفوائد المرجعية حول العالم، خصوصاً في ظل شبه القيود المفروضة على حركة الرساميل الخارجية. هذا من شأنه أن يقلّص الفارق مع الفوائد بالليرة، ويدعم الدور الادخاري بالليرة.
أضاف: كذلك تبرز أهميّة استعادة الليرة اللبنانية جزئياً دورها الرابع، الذي لا يقلّ أهمية عن الأدوار الأخرى، وهو الدور الإقراضي، أو العملة الناشطة في التسليف. ففي الواقع، حتى نهاية أيلول 2019، كانت حصة العملات الأجنبية من مجموع تسليفات المصارف اللبنانية تشكّل 70%. إن استعادة دور الليرة اللبنانية كأداة تسليف هي بلا شك عامل أساسي في تعزيز الدور الاقتراضي إضافةً إلى تحفيز نوعية الموجودات لدى المصارف اللبنانية بوجه عام.
وختم بركات: المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان الحديث هو الوعي الجماعي والمسؤولية المطلقة والحسّ الوطني وعدم ترويج الشائعات التي تساهم بدون أدنى شك في زعزعة كل من الاستقرار النقدي وعامل الثقة، أي ثقة المجتمع وإيمان المودعين والمستثمرين باقتصادنا الوطني وبعملتنا الوطنية. يجدر التذكير أخيراً أن العملة الوطنية وجه من أوجه السيادة لأي بلد شأنها شأن الجيش والأرض. من هنا أهمية الحفاظ عليها والاعتماد عليها كلياً كعمود فقري في الاقتصاد الوطني بشكل عام.