كتبت رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
بعد اقتراح اجتماع بعبدا المالي رفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، ورغم الصعوبات التي تحول دون إقرار هذا القانون بسبب استحالة تمويله في الظروف الحالية، فانّ مجرّد طرحه اليوم أعطى اشارة سلبية الى الاسواق بدلاً من الثقة التي كان يبحث عنها مقترحو الفكرة.
خرج اجتماع بعبدا المالي الأخير الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، وضمّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، وعدداً من الوزراء، ليؤكّد انّ حسابات المودعين بخير ولن يتمّ المساس بها، وانّ الليرة صامدة على سعرها الرسمي، وان لا نيّة لاعتماد الـHaircut والـCapital Control.
وعرض الرئيس عون اقتراحات عدة للخروج من الأزمة، وتمّ تكليف حاكم مصرف لبنان اتخاذ التدابير الموقتة اللازمة بالتنسيق مع جمعية المصارف لإصدار التعاميم التي اقترحها الحاكم ورفع بعض الاقتراحات التي تحتاج الى نصوص قانونية او تنظيمية، وذلك في سبيل المحافظة على الاستقرار والثقة بالقطاع المصرفي والنقدي، كما على سلامة القطاع وحقوق المودعين، دون اي انتقاص.
لكن بالانتقال من Utopia بعبدا الى Dystopia الشارع، أو من عالم الخيال الى أرض الواقع، نجد انّ حسابات المودعين ليست بخير، وانّ الـCapital Control تمّ تطبيقه منذ فترة، وانّ الليرة ليست ثابتة على سعرها الرسمي، بدليل انّ رفض المصارف إتمام تحويلات مالية الى الخارج وتحديد سقف متدنٍ للسحوبات النقدية، هي اجراءات تؤكّد تطبيق الـCapital Control. كما انّ إجبار المودعين على السحب بالليرة اللبنانية من خلال الامتناع عن اعطائهم دولاراتهم، هي أشبه بعملية Haircut مقنّعة لمن يضطر الى سحب المال. إذ انّ السحب النقدي للايداعات بالعملات الاجنبية بسعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية، يُعتبر بمثابة اقتطاع ما نسبته 30 في المئة من ايداعاتهم، كون سعر صرف الدولار في السوق الموازية لا يقلّ عن 2000 ليرة، مع الاشارة الى انّه مرجّح للصعود في الفترة المقبلة، بعد توجّه مصرف لبنان الى طباعة ليرات لبنانية بما قيمته حوالى 735 مليون دولار.
رفع سقف ضمان الودائع
النقطة الابرز والأهم التي تمّ التطرّق اليها خلال الاجتماع المالي، هي الاتفاق على رفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة. ومع انّ المجتمعين رأوا انّ هذا الاجراء قد يوحي بالثقة ويريح المودعين، حيث تصبح الودائع لدى المصارف مضمونة بقيمة 75 مليون ليرة في حال الإفلاس، إلّا انّه في المقابل اعطى اشارة سلبية الى الاسواق وأثار حالة من الرعب ومخاوف من افلاسات مرتقبة في القطاع المصرفي، يتمّ استباقاً لها، رفع سقف التأمين.
في التفاصيل، ينصّ القانون رقم 110 /1991 على أنّ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تضمن ودائع المصارف المتوقفة عن الدفع أو التي ستوضع اليد عليها، لغاية مبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية فقط أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية. ومنذ سنوات يتمّ الحديث عن نيّة لرفع سقف التأمين الى مستويات الدول الاوروبية والمحدّد عند 100 الف يورو، إلّا انّ أحداً من المعنيّين لم يبادر قط الى إتمام هذا الامر.
وينصّ قانون إنشاء المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، على انّ غاية المؤسسة «ان تضمن لدى المصارف العاملة في لبنان حسابات الودائع بالعملة اللبنانية مهما كان نوع هذه الودائع أو أجلها. وهي مؤسسة مختلطة تُسهم فيها الدولة وجميع المصارف العاملة في لبنان، من خلال رسم تدفعه المصارف قيمته 0,5 الى 1,5 في الألف عن كل وديعة بالليرة اللبنانية، على ان تساهم الدولة بمبلغ يعادل مجموع مساهمات المصارف.
لكن كعادتها، راكمت الحكومات المتعاقبة مستحقات الدولة لمؤسسة ضمان الودائع لسنوات عدّة، وبحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، فانّ رفع التأمين من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، يستلزم ان ترفع المصارف مساهمتها لمؤسسة ضمان الودائع
من 0,5 بالالف عن كلّ وديعة الى 7,5 بالالف، موضحاً انّها لا تقتطع هذه الاموال من حسابات المودعين.
واكّد شمس الدين لـ«الجمهورية»، انّ مساهمة الدولة توازي اجمالي مساهمات المصارف، لكنها تتخلّف عن الدفع منذ العام 2010.
واستبعد ان يتمّ رفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، متوقعاً ان تكون القيمة النهائية 50 مليون ليرة فقط كما كان مقترحاً في السابق.
وأوضح، انّ موجودات مؤسسة ضمان الودائع مقدّرة اليوم بحوالى 3 مليارات دولار، استثمرت جزءاً منها في سندات الخزينة واودعت الجزء الآخر في مصرف لبنان من دون ان تتقاضى فوائد مصرفية.
وقال شمس الدين، انّ المؤسسة راكمت هذا المبلغ لأنّها لم تشهد انهيارات مصرفية في السنوات الأخيرة، «مع الاشارة الى انّ عملية تصفية مصرف «جمال ترست بنك» لم تكبّدها أعباء مالية، لأنّ موجودات المصرف كانت توازي مطلوباته».
وشدّد على انّ رفع سقف التأمين يحتاج إلى تشريع في مجلس النواب بعد أن يُمرّر في الجمعية العمومية لمؤسسة ضمان الودائع، ويُقرّ كمشروع قانون في مجلس الوزراء.
في النتيجة، هناك سؤال يطرح نفسه: مَن مِن الجهتين المموّلتين لمؤسسة ضمان الودائع بمقدورها اليوم، تمويل رفع سقف ضمان الودائع الى 75 مليون ليرة، في ظلّ عدم قدرة المصارف على زيادة مساهمتها في المؤسسة في ظلّ الاعباء المالية التي تتحمّلها وآخرها رقع قيمة رأسمالها، في مقابل استحالة تحميل المودعين أي نسبة من هذه المساهمة من خلال اقتطاع ولو قرش واحد من حساباتهم.
اما بالنسبة لزيادة مساهمة الحكومة، فهي تتخلّف أساساً عن دفع مستحقاتها السابقة المتراكمة لمؤسسة ضمان الودائع، وبالتالي وكيف يمكن لحكومة مهدّدة بتخلّفها عن سداد ديونها، ان تساهم في تمويل أي مشروع جديد؟