كتب مصطفى العويك في صحيفة “نداء الوطن”:
يصر “التيار الوطني الحر” على نبش القبور، عند كل ازمة سياسية يمر بها. فعلها الجنرال عون اكثر من مرة بعد عودته الى لبنان عام 2005، حيث كان يقصف جبهات اخصامه من “الزنار ونازل” كلما اقتضت الحاجة السياسية لذلك، ويستعيد خطاب الحرب البائدة، ليسقطه على الواقع السياسي المعاش، موظفاً اياه في اطار سعيه لتحسين شروطه والحصول على مكتسبات جديدة.
وفعلها صهره المصون باسيل في اكثر من مناسبة، كان آخرها يوم تسببه في الجريمة الوطنية في قبرشمون حين استعاد احداث سوق الغرب… واليوم يعود التيار في هذه الاوقات العصيبة التي نمر بها الى النبش في الماضي، يحفر بأظافره في ذاكرة لبنانية ليست مثقوبة، وان كانت لم تؤرخ بكتاب واحد، وبنظرة واحدة، وهذ شأن الجماعات المختلفة مع التاريخ، كل منها يرى التاريخ من نافذة بيته الطائفي..
مقدمة الـ”او تي في” مساء الاحد (التي تبرأ منها التيار العوني على اعتبار ان القناة تابعة لحزب من خارج الحدود) تأتي في هذا السياق، كأن باسيل لا يريد لنا طي صفحة الحرب، يبحث عن كل ما من شأنه ان يوتر العلاقة بين اللبنانيين انفسهم ويخرجه الى ساحة السياسة اليومية، لدغدغة مشاعر جماعته من ناحية وشد عصبهم الى جانبه، ولتسجيل اهداف في مرمى خصومه سعياً منه الى الحصول على مكتسبات اكبر منهم او بالحد الادنى تحسين شروطه في المفاوضات.
بات باسيل نفسه مشروع حرب اهلية جديدة. كلما شاهده لبناني يرعى الغنم في ضيعة نائية من القرى تذكر والده الذي استشهد، كلما سمع خطابه عامل النظافة في المدينة وضع يده على جرحه الذي لم يندمل من تفجير سيارة مفخخة ايام الحرب، وكلما التقى مثقف بآخر لمناقشة خطابه الجديد، ارتفعت المتاريس بينهما وبدأت الصيحات تعلو في المقاهي.
يستعجل باسيل الحرب الاهلية الجديدة، لادراكه ان هذه الحرب ستعيد له حقوقه وصلاحيات الرئاسة، عبر اتكائه على ترسانة اسلحة “الحزب”، وفائض القوة التي يتمتع بها. وهذا اعتقاد في قمة الغباء والسخافة وقصر النظر.
فماذا يعني ان تقول المقدمة ان المصائب اللبنانية المتكررة منذ 1958 حتى اليوم هي بسبب رؤساء الحكومات في لبنان؟ اي خطاب كراهية وحقد هذا؟ واي قراءة موضوعية للاحداث والوقائع التاريخية تستند اليها هذه المقدمة ومن وراءها؟ وهل يحمل لبنان اليوم مثل هذه المقدمات؟ ماذا لو قرر الفريق الآخر التصدي لهذا التوجه ليس فقط اعلامياً انما بالتمترس السياسي خلف احقية نظرته الآنية للوضع في لبنان وسبل الحل، وحتى رؤيته للماضي من منطلق طائفي؟ اين يصبح ما تبقى من هذه السخافة التي نسميها دولة؟
جبران باسيل المتخصص في نبش القبور لا رمي التراب على ساكنيها ووضع وردة بيضاء بما تحمله من دلالات، يظن انه بفعلته هذه يستعطف شارعاً مسيحياً على الاوتوستراد الوطني، لكنه لم ينتبه على ما يبدو، ان الشارع تسللت منه ازقة كثيرة فخسر حجمه الحقيقي نتيجة احداث طبيعية واخرى بشرية، وان ما يعتقد انه الاوتوستراد الوطني بات مقطوعاً ومتعرجاً ومليئاً بالحفر الاقتصادية والمالية والطائفية والمناطقية، وخالياً من اي جماعة لبنانية، لان الجميع بات مشغولاً مثله بترقيع شارعه الطائفي، وغير مكترث بالساحة الوطنية الكبرى.
في كل يوم يقتحم باسيل وعن سابق اصرار وتصميم، ميدان التطورات السياسية، ببندقية كلامية محشوّة برصاص طائفي مغذّى ببارود الوهم، وبدلاً من ان يصنع مع الآخرين “طاسة الوطن”، لتحميه مما يدبر له، تراه يتوق لأن يكون حصان طروادة العصر الحديث، لكنه غفل انه ليس هدية الآلهة ولن يكون…وان من يظن انهم “مقاتلوه” الذين بهم سيقتحم المشهد السياسي أكثر فأكثر ويتوغل به لتكريس نفسه رئيساً، لن يكونوا ملائكة وانما عند الضرورة هم شياطين الانس والجن.