كتب محمد نمر في صحيفة “نداء الوطن”:
يبدو أن القوى السياسية تصرّ على فرض حكومة أمر واقع على الشعب. وبدلاً من أن تلبي طموحاته بوضع لبنان على سكة بناء الدولة، راحت لتعيده إلى ما قبل العام 1989، متجاوزة الدستور و”اتفاق الطائف” ومطالب ثورة “17 تشرين”، لتخرج “أرنب” سمير الخطيب ليكون لها رئيس حكومة “باش كاتب”، يحافظ على مصالحها ويرضيها بصيغة حكومية “غب الطلب”.
قد يكون المواطنون تعبوا من أزمة معيشية بدأت تدفع البعض إلى الانتحار، قد يكون الضرر أبعد عن أنظارهم الهدف المنشود، ربما تعبوا من أزمة الدولار والبنزين وارتفاع اسعار المواد الغذائية وحصار المصارف عليهم… لكن بعد كل هذه التضحيات هل يجوز الاستسلام للسلطة السياسية التي كانت تراهن على عامل الوقت والأزمات لتكسر ظهر الثورة؟
وبعيداً من اسم الخطيب الذي وافق على أن يكون رئيس حكومة “تكنو – سياسية” (طرح فريق 8 آذار)، لا بد من تحديد اعتبارات واقعية لأي رئيس حكومة يريد النجاح في هذه المرحلة الصعبة.
أولاً: أن يتم تكليفه بطريقة دستورية، عبر استشارات نيابية ملزمة لرئيس الجمهورية، لا تسبقها أي لقاءات قائمة على تحديد الصيغة النيابية أو “تقاسم الحلوى” بفرض معايير أو الاحتماء بـ”الميثاقية”، ولا قائمة على شروط بتحديد الوزارات التي تريدها القوى السياسية، فتسمية رئيس حكومة من مجلس النواب تكون على معرفتهم بامكانية قيادته للحكومة أما عملية التأليف فتتم بعد التكليف ولا قواعد أو أعراف أو معايير لها، وما يحكمها واحد هو المناصفة وما ورد في اتفاق الطائف من تنسيق مع رئيس الجمهورية.
ثانياً: أن يلبي مطالب الشعب بتشكيل حكومة تكنوقراط، تضع لبنان على سكة معالجة الأزمة الاقتصادية، تكافح الفساد وتسجن الفاسدين، تحضّر لبنان لانتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي جديد غير طائفي. بعكس ما يحصل في هذه الحكومة التي تريد فيها القوى السياسية أن تسمي اختصاصييها وتبقي معادلة الوزير التابع لزعيمه، أما الأكثر “وقاحة” فهو بما يتردد عن إعادة توزير شخصيات كانت في الحكومة المستقيلة مستفزة ويشهد تاريخها بتدخلات بالقضاء.
ثالثاً: أن يكون ملماً بالوضع الاقتصادي وقادراً على قيادة الحكومة لمعالجة الأزمة، وأن يعطي الأوضاع المعيشية التي تخص اللبنانيين أولوية في بيانه الوزاري، بالشكل والمضمون.
رابعاً: أن يكون قادراً على التواصل مع المجتمع الدولي ويملك علاقات عربية ودولية من شأنها أن تدخل الأموال إلى لبنان لمساعدته اقتصادياً.
خامساً: أن يحظى بدعم الرئيس سعد الحريري لما لديه من امكانات في مساعدة رئيس الحكومة في تأمين الدعم الخارجي لانقاذ البلد.
سادساً: أن يحظى بدعم دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين الحريصين على نجاح هذا الموقع وحمايته من المتطفلين على الدستور.
سابعاً: أن يكون على تواصل مع القوى السياسية في كل ما يرتبط ببناء الدولة وتسهيل العمل الحكومي.
وما نستنتجه من هذه الاعتبارات أن الخطيب لم يحظ إلاّ على جزء من الاعتبار السابع والأخير مع دعم من الحريري على قاعدة “لن أقطع طريق الحكومة”، أما بقية الاعتبارات فالأيام المقبلة كفيلة بتحديدها وأهمها موقف الثوّار من حكومة لا تشبه مطالبهم، وبالتالي هم الآن في امتحان عنوانه “إما أن تكون ثورة حقيقية… أو فليرحل الشعب”.