كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:
يستغرب بعض الديبلوماسيين الغربيين أن يعتقد بعض القادة اللبنانيين أن لديهم المزيد من الوقت كي يقدموا على المعالجات المطلوبة للوضع المالي – الاقتصادي، في وقت تتراجع قدرة المواطنين على الإيفاء بحاجاتهم المعيشية كل يوم.
الأجوبة التي يحصل عليها الديبلوماسيون الحريصون على الرسالة المكررة القائلة بتسريع تشكيل الحكومة، تختلف بين قيادي لبناني وآخر، في شكل يترك الانطباع لديهم أن هناك من لا يتصرف وفق إلحاح السرعة في إنجاز الحكومة، استناداً إلى معايير تراعي ما أضافه الحراك الشعبي من مستجدات يستحيل إنكارها بعد الآن. يقود هذا الانطباع عند هؤلاء الديبلوماسيين، إلى الاستنتاج بأنه “قد يعتبر بعض القادة في البلاد أن الجلوس وراء المكاتب ورسم صيغة الحكومة المقبلة بمعزل عن رأي المتظاهرين الذين رفعوا شعار التغيير، ويريدون رؤية من يطمئنون إلى وجوههم في صيغة الحكومة. لكن هذه الذهنية لا تتلاءم مع حراجة الأزمة”…
يتواصل الديبلوماسيون في لبنان مع قادة الحراك الشعبي للاطلاع على مطالبه ويخرجون بنتيجة أنه سيكون صعباً على رجال الحكم إخراج الناس من الشارع من دون تقديم شيء لهم، خصوصاً في الحكومة.
هل يخرج بعض أهل الحكم من القوقعة التي حبسوا أنفسهم فيها بالمراهنة على تجاهل الحراك وعلى تعبه، وبالعودة إلى المحاصصة الحكومية كأن شيئاً لم يحصل؟
مع اقتناع ممثلي الدول الكبرى بالابتعاد عن صيغة تأليف الحكومة، كخطوة أولى لإطلاق المعالجات، فإن التباينات بين هذه الدول حول المعالجات المطلوبة تقلصت في الأسبوعين الماضيين. فموسكو عدّلت موقفها من مطلب حكومة الاختصاصيين المحايدين، بعدما كان وزير خارجيتها سيرغي لافروف اعتبر أنها غير واقعية. ومن بين أسباب التعديل تواصلها مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، الذي اشترط اقتصار الوزراء على هؤلاء الاختصاصيين لترؤس الحكومة. هذا فضلاً عن متابعتها الحثيثة لتطور الأوضاع في البلد، حيث أن معيارها الأساسي هو ضمان عدم تقويض الاستقرار الذي هو حجر الزاوية في سياستها حيال لبنان. باتت القيادة الروسية ضمناً مع فكرة حكومة الاختصاصيين المصغرة، التي يمكن أن تُخرج المحتجين من الشارع، على أن تكون مهمتها إنقاذ الاقتصاد من الانهيار بتدابير عاجلة خلال فترة 6 أشهر، بموافقة القوى السياسية كافة. وفي رأي موسكو أنه يمكن التفاهم في هذه الحكومة على تجنب القضايا الخلافية المتعلقة بسلاح “حزب الله” وموقفه الإقليمي.
قبل التوافق على المرشح سمير الخطيب بين الحريري والثنائي الشيعي كانت موسكو تردد أنها مع عودة الأول إلى الرئاسة الثالثة كرمز سني معتدل، يشكل ضمانة ضد أي انزلاق نحو توترات أمنية ومذهبية. فهي قلقة من انعكاسات ما يجري في العراق على لبنان من جهة، ومن تأثير استمرار الانتفاضة على الوضع في سوريا من جهة ثانية.
تتخوف الخارجية الروسية والكرملين من أن يقود التدخل الإيراني في لبنان إلى التسبب بالعنف، على رغم الارتياح إلى استيعاب القوى الأمنية للمتظاهرين، ولحرص “حزب الله” على تجنب الصراع السني – الشيعي. فموسكو ترى أن دور طهران “الفاقع” في العراق، غلّب التعاطي الدموي مع المتظاهرين وأجج الأزمة المستمرة منذ 1 تشرين الأول الماضي. والأوساط اللبنانية المتصلة بموسكو تردد أن الجانب الروسي أبلغ طهران استياءه من تعاطي قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني مع العراقيين “كأن بلدهم بلا سيادة”، فيلتقي قادة الأحزاب في بغداد وقادة الأمن ويضغط لاستخدام القمع الدموي. بل إن موسكو قلقة من إمكان أن يرجح تصاعد الصراع هناك اتجاهات تقسيمية تؤثر على دول المنطقة، مثلما يمكن أن تؤدي إطالة الأزمة في لبنان إلى تهديد استقرار دول عربية أخرى. فالمأزق الاقتصادي فيه ساهم في تفاقم أزمة صرف العملة السورية بعدما تخطى سعر الدولار الدمشقي الألف ليرة سورية.