قالت مصادر سياسية مطلعة إن أجواء العاصمة اللبنانية لا توحي بأنه تم الحسم فعليا في مسألة تكليف رجل الأعمال سمير الخطيب بتشكيل حكومة، وإن مفاجآت اللحظات الأخيرة تبقى واردة.
وذكرت المصادر أن تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الاثنين المقبل موعدا لبدء الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار شخصية سنية يتم تكليفها بتشكيل الحكومة، يعود إلى أن الكثير من العراقيل ما زالت تهدد بانفراط ما قيل إنه اتفاق بين القوى السياسية حول شخص الخطيب.
وألقى وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق شكوكا إضافية حول الأمر، حين اعتبر بعد لقائه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، أنه لا يستطيع الجزم في هذا الأمر، في وقت نشطت فيه التحركات الشعبية رفضا للصفقة التي تبرمها الطبقة السياسية لإعادة إنتاج حكومة تهيمن عليها التيارات السياسية، خصوصا وأن ما سرّب من معلومات يؤكد أن الصيغة الحكومية ستكون نسخة في توازناتها السياسية عن الحكومة المستقيلة وإن تم القبول بمشاركة وزراء من التكنوقراط، وآخرين محسوبين على الحراك.
وبناء على تجارب سابقة في تشكيل حكومات لبنان، فإن كثيرين يتشككون في إمكانية أن ترى الحكومة النور قريبا، خاصة وأن التفاهمات التي يتم الحديث عنها في الكواليس والعلن تحمل بذور تفجيرها قبل بلوغ الهدف المنشود.
وفي غمرة الحديث عن الخطيب وفرص تشكيل حكومة تبرز تساؤلات لا تقل أهمية، وهي سرّ تراجع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري عن شروطه بشأن تشكيل حكومة تكنوقراط وذهابه إلى إعلان دعمه سمير الخطيب على الرغم من أنه مرشح لرئاسة حكومة سياسية مطعمة باختصاصيين، وأن تلك الحكومة ستكون عادية لا تحظى بأي صلاحيات استثنائية.
وتتحدث أنباء عن أن معطيات خارجية لا تشجع الحريري على العناد كثيرا في مسألة الإصرار على حكومة تكنوقراط، وتدعوه إلى رعاية ولادة حكومة مرحلية تكون حلا وسطا بين صيغة الحكومة السياسية المستقيلة وحكومة التكنوقراط التي يطالب بها الحراك الشعبي.
وبحسب المعطيات فإن الوضع المالي والاقتصادي في لبنان بات يتطلب معالجة فورية تجنب البلد الانهيار الكامل، وأن المجتمع الدولي من خلال الجهود الفرنسية أبدى جهوزية لضخ سيولة نقدية عاجلة في أوردة الاقتصاد اللبناني شرط تشكل حكومة في أسرع وقت.
ويدور حديث عن أن الحكومة المقبلة ستكون مؤقتة هدفها تمرير المرحلة الحالية بانتظار جلاء الأمور المتعلقة بالتحولات الإقليمية الكبرى.
وتجري مداولات لبسط طاولة مفاوضات مع إيران، وأن الجهود التي تبذلها سلطنة عمان بشخص الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، تتطلب تبريدا في لبنان، خصوصا أن الظروف التي تمر بها إيران تدفع نظام طهران إلى أن يكون متشددا، وأنه لن يسمح بتمرير حكومة في لبنان لا يكون حزب الله جزءا منها.
ويعبر مراقبون عن اعتقادهم بأن حراك الشارع في لبنان ضروري للضغط على الحكومة المقبلة في تحقيق الإصلاحات والمسارعة في تنفيذ الورقة الاقتصادية التي سبق للحريري أن اقترحها، والحد من ظاهرة الفساد التي باتت من عادات ممارسة الحكم لدى الطبقة السياسية.
ويستبعد المراقبون أن يستطيع الشارع معاندة ما تم الاتفاق عليه بين التيارات السياسية، وإن كانوا يتوقعون استمرار التحركات المدنية والجماهيرية حتى بعد تشكيل الحكومة.
وفيما أبدت مراجع سياسية مخاوفها من انقلاب مقنع يجري على دستور الطائف تحت مسوغ “الظروف الاستثنائية” من خلال تأليف الحكومة قبل تكليف رئيس لها، وقد تعالت أصوات شخصيات سنية، لاسيما رؤساء الحكومة السابقين، من تجاوزات يرتكبها الرئيس عون تنال من صلاحيات نواب الأمة وصلاحيات رئاسة الوزراء، قالت مصادر قصر بعبدا إن عون لم يتجاوز ما ينص عليه الدستور الذي لا يفرض مهلة للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة كما لا يفرض مهلة على رئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومته.
وأضافت المصادر أن رئيس الجمهورية يسعى إلى تجنيب البلد فراغا حكوميا، وقد انتظر اتفاق الكيانات السياسية قبل الدعوة إلى هذه الاستشارات.
وذكرت مصادر سياسية أن عون حزم أمره وحدد موعد الاستشارات بعد أن تأكد موفدا حركة أمل وحزب الله علي حسن خليل وحسين الخليل من تخلي الحريري، بعد الاجتماع معه، عن كافة شروطه السابقة التي تتمثل بحكومة تكنوقراط بصلاحيات استثنائية تتكفل بإجراء انتخابات مبكرة، ودعمه لترشيح الخطيب.
وأكدت المصادر أنه في حال كلف الخطيب فإن الحكومة المرجحة ستكون من 24 حقيبة وزارية، سيتمثل الثنائي الشيعي بأربعة وزراء، منهم وزيرا دولة هما علي حسن خليل “رغم إمكانية استبداله” ومحمد فنيش، على أن تبقى حقيبة المال من حصة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتردد توليها من قبل رائد شرف الدين.
الوضع الاقتصادي في لبنان يتطلب معالجة فورية تجنب البلد الانهيار الكامل
ولن تكون وزارة الداخلية من حصة التيار الوطني الحر بل ستبقى بيد تيار المستقبل وتستمر الوزيرة ريا الحسن في توليها، على أن تستمر وزارة الاتصالات من حصة التيار الوطني الحر وتستمر بتوليها الوزيرة الحالية ندو البستاني.
وسيحتفظ التيار الحر بحقيبتي الدفاع والخارجية التي “تردد اسم هنري الحلو لتوليها، وهو رئيس سابق لمجلس شورى الدولة”، كما سيحتفظ سليم جريصاتي المقرب من عون بحقيبة وزير الدولة.
وتبقى مفاجأة الحكومة تكمن في أسماء وزراء التكنوقراط الذين سيختارهم رئيس الحكومة المكلف بالاتفاق مع قوى البلد السياسية لتمثل تغييرا جديدا يمكنه أن يمثل استجابة نسبية لأكثر من 50 يوما على الحراك الشعبي في البلاد.
وتخلص بعض المراجع إلى اعتبار الحكومة العتيدة هي حكومة يسيطر عليها حزب الله وحلفاؤه يتم تشكيلها وسط استسلام كامل من الحريري ودون كثير اعتراض من قبل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وسط انعدام مقاومة القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع الذي سبق أن أعلن عدم المشاركة بها.