كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
طرح ترحيل الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة من أول من أمس، إلى بعد غدٍ (الاثنين) أكثر من علامة استفهام بعد أن تبيّن – كما يقول مصدر وزاري بارز – أن التذرّع بتأجيلها لإجراء مزيد من المشاورات لتسهيل عملية التأليف لم يكن في محله، وأن الهدف الأول والأخير يكمن في إمكانية تسويق مرشح آخر غير رجل الأعمال سمير الخطيب، والمقصود به نائب بيروت فؤاد مخزومي الذي يواصل تحرّكه بين بيروت وروما الذي انتقل إليها في الساعات الماضية بالتزامن مع وجود رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في العاصمة الإيطالية لحضور مؤتمر دولي.
ولفت المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لا علاقة لتأجيل الاستشارات بتسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، خصوصاً أن التكليف حُسم لمصلحة الخطيب إلا إذا حصلت مفاجأة، أو أن التطورات تسارعت في ضوء استعداد «الحراك الشعبي» للتحرك بوتيرة تصعيدية غير مسبوقة ظناً منه أنه سيدفع باتجاه تأجيل الاستشارات.
وسأل ما الجدوى من إصرار البعض على التشكيك بموقف الرئيس سعد الحريري الداعم تسمية الخطيب لتشكيل الحكومة العتيدة، وصولاً إلى قول هذا البعض بأنه لم يحسم أمره حتى الساعة، وأنه لا يزال يحن للعودة إلى رئاسة الحكومة؟
ورأى المصدر الوزاري، أن مفعول التشكيك بموقف الحريري لن يدوم طويلاً، وسينتهي فور تأييده الخطيب لتشكيل الحكومة، وقال إنه يريد إخراج البلد من الحلقة المفرغة؛ لأن الأزمات الكبرى التي يمر بها باتت في حاجة إلى وجود حكومة قادرة على توفير الحلول ولو على مراحل، وأن التمديد لحكومة تصريف الأعمال يعني حكماً إقحام البلد في فراغ قاتل.
وقال إن الحريري لم يتهرّب من تحمّل المسؤولية، وإن استقالته جاءت في محلها لمحاكاته لـ«الحراك الشعبي» من موقع أن معظم مطالبه مشروعة، وأن هناك ضرورة لتوفير الحلول السياسية لا الأمنية لها، وأكد أنه كان أول من حدّد المواصفات لإنقاذ البلد من الانهيار والتي تقوم على تشكيل حكومة من اختصاصيين، لكنها لم تلق التجاوب المطلوب من قبل معظم القوى السياسية التي أصرت على تشكيل حكومة تكنو – سياسية.
واعتبر المصدر الوزاري، أن البديل في استمرار حكومة تصريف الأعمال لن يكون إلا بتشكيل حكومة جديدة بدلاً من إقحام البلد في فراغ في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى هذه الحكومة كمرجعية تتوجّه إلى المجتمع الدولي لطلب توفير الدعم للبنان، بدءاً من تزويده بسيولة مالية تساعده على تجاوز أزمته المالية التي بلغت ذروتها وباتت تُنذر بأخطار جسيمة يصعب التغلُّب عليها.
وأكد أن مجرد وجود حكومة يعني حكماً أن هناك مرجعية لديها القدرة على حث المجتمع الدولي للتجاوب مع لبنان طلباً لتقديم مساعدات عاجلة في ضوء مبادرة فرنسا لاستضافة مؤتمر طارئ لأصدقاء لبنان يُعقد في باريس في 11 الحالي.
وشدد على أن التشكيك بنيّات الحريري في دعمه ترشُّح الخطيب لتشكيل الحكومة الجديدة أصبح من الماضي، خصوصاً أنه سبق أن قال كلمته في هذا الخصوص، وبالتالي فهي أقوى من التعهد المكتوب.
وتوقف المصدر الوزاري أمام البيان الذي صدر عن رؤساء الحكومة السابقين، وقال إن لا اعتراض على ما ورد فيه والمتعلّق بتجاوز الدستور من خلال ربط عملية التكليف بالتأليف باعتبار أن هذا الربط بشكل اعتداءً سافراً على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف الذي وحده يقوم بالمشاورات لتأليف الحكومة.
وقال إن التذرُّع بعدم وجود نص دستوري يُلزم رئيس الجمهورية ميشال عون بإجراء المشاورات المُلزمة فور استقالة الحكومة، في حين لا يلزم الدستور الرئيس المكلف بمهلة معينة لتأليف الحكومة، يسقط تلقائياً بسبب الظروف القاهرة التي يمر بها البلد والتي لا تحتمل التأجيل.
لكن من يتذرّع بعدم وجود نص دستوري – كما يقول المصدر الوزاري – عليه أن يجيب فوراً على الأسباب التي أدت إلى تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من عامين إلى حين تأمّن انتخاب العماد عون رئيساً، مع أن الدستور ينص على أن يبقى المجلس النيابي فور شغور منصب الرئاسة الأولى في حال انعقاد دائمة لانتخاب الرئيس.
لذلك؛ فلا مشكلة في تسمية الخطيب لتشكيل الحكومة إلا إذا انقلب من كان وراء ترشحه على تعهده وراح يبحث عن مرشح آخر، والمقصود في هذا السياق – بحسب المصدر الوزاري – الفريق السياسي المؤيد لرئيس الجمهورية، وعلى رأسه «التيار الوطني الحر» الذي كان شكّل رأس حربة لتسويق ترشيح مخزومي الذي لقي صعوبة في تأمين التأييد النيابي لترشّحه.
كما أن الحريري وإن كان لا يبدي ارتياحاً للشق الثاني من بيان رؤساء الحكومة السابقين مع أنه يؤيد الشق الأول منه المتعلق بتجاوز الدستور وصلاحيات الرئيس المكلف، فإنه أول من رشّح الرئيس تمام سلام لتولّي رئاسة الحكومة، لكنه اعتذر وهو على حق في موقفه على خلفية اختباره عن كثب للمعاناة التي مر فيها بسبب الطريقة التي تعامل بها معه باسيل ومن خلاله عون قبل تسميته رئيساً للحكومة.
في هذا السياق، اعتبر المصدر الوزاري أن وجود سلام على رأس الحكومة في حينه قوبل بتعطيل تلو الآخر من باسيل، وهذا ما تسبب في خفض منسوب الإنتاجية لحكومته، وقال إن لبنان يمر حالياً بظروف ضاغطة تستدعي الإسراع بتشكيل الحكومة؛ لأن وجودها أفضل بكثير من الفراغ المترتب على التمديد لحكومة تصريف الأعمال، خصوصاً أن هناك من يريد الإبقاء عليها لتصفية حساباته مع الحريري الذي أحرجه بدعمه للخطيب.
ويبقى السؤال، هل يجتاز الخطيب مشوار التكليف على طريق الالتفات إلى التأليف، وما هو موقف الكتل النيابية من تسميته في ضوء إصرار كتلة الرئيس نجيب ميقاتي على تسمية الحريري، وامتناع حزب «القوات اللبنانية» عن التسمية انسجاماً مع قناعاته بأن لا خلاص للبلد إلا بتشكيل حكومة مستقلة من اختصاصيين بعد أن أوصلت حكومات «الوحدة الوطنية» البلد إلى أزمة كبرى.
وينسحب موقف «القوات» على حزب «الكتائب»، في حين تتريّث الكتلة التي يتزعّمها النائب طوني فرنجية في تحديد موقفها، إضافة إلى عدد من النواب المستقيلين، ومن بينهم من استقال من «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل، وهم شامل روكز، ونعمت أفرام، وميشال الضاهر، وينضم إليهم ميشال معوض الذي لم يستقل من الكتلة وسيشارك منفرداً في الاستشارات.
وبالنسبة إلى «اللقاء الديمقراطي» برئاسة تيمور جنبلاط، فإنه يميل إلى تأييد الخطيب، وإن كان يتعاطف ضمناً مع «الحراك الشعبي» أسوة بالكتل التي قررت أن تحجب أصواتها عنه.
أما «الثنائي الشيعي»، فإنه سيدعم ترشّح الخطيب إلا إذا حصلت تطورات قبل إنجاز الاستشارات أدت إلى إعادة خلط الأوراق، علماً بأنه كان يفضل ترشّح الحريري لاعتبارات أبرزها أن «المساكنة» بينهما خلال الحكومة المستقيلة كانت إيجابية ولم يتخللها سوء تفاهم، وإنما غلب عليها الود والتعاون رغم أن رئيس المجلس نبيه بري يأخذ في أكثر من مناسبة على الحريري عدم تجاوبه مع العودة إلى رئاسة الحكومة مشترطاً بأن تتشكل من اختصاصيين.
كما أن «الثنائي الشيعي» يفضّل عودة الحريري لأن وجوده على رأس الحكومة هو بمثابة صمام أمان لقطع الطريق على من يحاول افتعال فتنة سنية – شيعية.
وعليه، فإن الاستشارات النيابية إذا أُنجزت كما هو مرسوم لها ولم تطرأ أحداث تؤدي إلى تأجيلها، فإنها ستحمل الخطيب إلى سدة الرئاسة الثالثة، وإنما بعدد متواضع من أصوات النواب؛ لأن بعض الكتل المؤيدة له ستواجه صعوبة في تجيير أصوات نوابها من دون أن تتعرض إلى خروق سواء بعدم حضور الاستشارات أو الذهاب على انفراد.
إلا أن اجتياز قطوع التكليف يفتح الباب على مهمة التأليف التي قد تطول في حال أصرت بعض الكتل على أن تلحق بالحكومة حمولات زائدة لا تستطيع أن تتحملها ما لم يقرر رئيسها التخلص منها بالامتناع عن إشراك وزراء من الوجوه النافرة التي لا تستطيع أن تهضمها بعض الكتل النيابية، وبالتالي فإن «الحراك الشعبي» سيقف لها بالمرصاد ولن تنجو من حملاته.