Site icon IMLebanon

الرياض المبتسمة وهي تعبر الى الحداثة (تقرير أسعد بشارة)

“زائر برتبة مواطن”.هذا هو ما يشعر به كل من يزور المملكة العربية السعودية،التي تعيش في عالمها المنفصل عما يجري في المنطقة والمتصل حتى حدود الهوس، بكل ما يوصل الى الحداثة، ثقافياً اجتماعياً حضارياً علمياً، وحيث ما تصل انظار جيل الشباب السعودي الذي يعول على مشاركته الحماسية في مرحلة انتقالية بين عصرين، لا تربط بينهما الا ثوابت التأسيس الاول للدولة الاكبر تأثيراً في الجزيرة العربية، ومن الاوائل تأثيراً في العالم العربي.

“زائر برتبة مشارك”.هو ما يشعر به زائر الرياض، فكيف اذا كانت المشاركة، في منتدى هو الاول من نوعه يقام في السعودية، وهو منتدى الإعلام السعودي،الذي عقد على مدى يومين مكثفين في في الرياض، بمشاركة جيش من الاعلاميين السعوديين والعرب، ومن أبرز المختصين في عالم الاعلام الجديد وخصوصاً منه إعلام التواصل الاجتماعي، حيث امتلأت صالة المؤتمر بعدد كبير من الناشطين السعوديين، وطلاب كليات الإعلام، شباب وإناث يعملون كقوة تأثير عبر وسائل التواصل، وينافسون الصحافيين السعوديين، بحيوية منابرهم، فيضطرونهم، الى اللحاق بهم، عبر موقعي تويتر وفايسبوك، والمواقع الاخرى.
“زائر لا تفارقه الدهشة”.وهو ما يشعر به زائر الرياض. لا يمكن بعد ما سمعته عن قيود المحافظة الاجتماعية، الا ان تصاب بالدهشة،جراء التحول الكبير والسريع، الذي تلاحظه، ولو لم تكن تملك القدرة على المقارنة بين الامس واليوم، فانت في الرياض للمرة الاولى، وعليك ان تقارن بناء على شهادات من اتيحت لهم فرصة المقارنة، لكن في كل الاحوال الفرق النظري واضح بوضوح الواقع الآني. شباب من الجنسين يقودون عملية التغيير الاجتماعي والثقافي، وربما تتفوق الإناث على الذكور، في الحضور والمشاركة، والتعبير عن الرأي والتفاعل والنقاش.

“زائر مصاب بالغيرة”.وهو ما يشعر به بعض من يزور الرياض. الغيرة طبع انساني تتفوق احياناً على الاعجاب،وتصطدم بالنموذج الأفضل فتستفيق وتتعقلن، على وقع مشاهد البناء والتنظيم والتخطيط، على وقع استثمار الوقت في سباق لا يرحم، في عصر يزدري هدر الوقت والعبثية وايديولوجية ركوب قطار الماضي.مئة كيلومتر من أقصى الرياض الى اقصاها، بالطول والعرض، لا تكفي لوصف المشاريع العملاقة، وافكار تطوير المدينة، والطريق الى الدرعية درة مدن الجمال، الذي يخطط له ان يكون منطقة سياحية متكاملة، في بلد لم يعرف ما هي السياحة حتى الأمس القريب.

“زائر يسأل عن سياسة المملكة” في المنطقة وتجاه لبنان، فلا يجاب الا بالتأكيد على ان ما تقوم به السعودية هو سباق لحجز موقع في العالم، وفق قاعدة “نحن جزء من هذا العالم”، وهذا هو الرد على مشروع ايران وداعش وكل حركات التطرف،وكلها مشروع واحد بأوجه متعددة، يحمل عناصر انتحاره في داخله، وقد بدأت معالم هذا الانتحار الذاتي تظهر في إيران نفسها، وفي الدول الخاضعة للنفوذ الايراني. اما بالنسبة للموقف من لبنان، فالنأي السعودي بالنفس مستمر حتى إشعار آخر، ولن يرتوي فضول من يسعون إلى إقحام المملكة بالملف اللبناني، وخصوصاً موضوع تشكيل الحكومة، فاللبنانيون حسب ما يتردد في المملكة يعرفون مصلحة بلدهم، ولهم القرار، وعليهم تحمل المسؤولية، وعدم الاتكال على الخارج، من دون ان يعني ذلك ان السعودية غيرت سياستها الداعمة للبنان وشعبه.

تحسب السعودية الوقت بالدقائق، لاستقبال قمة العشرين التي تترأسها، وذلك العام المقبل في الرياض التي بدأت تبتسم لهذا الحدث منذ الان. تطلق السعودية التحضيرات لإنشاء مدينة إعلامية في الرياض في وقت قريب، سوف تستقطب معظم الانتاج الاعلامي العربي.تعطي السعودية أهمية قصوى لمؤسسات أنشئت لتعزيز حوار الحضارات والاديان، ومنها مؤسسة كايسيد،التي يشرف عليها الدكتور فيصل بن معمر والتي تعمل كسفير سلام للملكة في اوروبا والعالم.تسرع السعودية في بناء “دولة” نيوم على البحر الاحمر.تعطي السعودية جيلها الشاب فرصاً مفتوحة للمشاركة وهؤلاء معظمهم تخرجوا من الجامعات الاميركية والاوروبية، وعادوا الى بلدهم بنية المشاركة في البناء.تخطك باختصار كي تكون عاصمة العرب. وماذا بعد؟
الاخطار الناجمة عن التوتر في المنطقة والصراع مع ايران ترخي بثقلها، والاخطر استهداف منشآت ارامكو، لكن تلك الاخطار التي تحولت الى تهديد عملي،لم تقفز الحاجز الذي يعلن بداية الحرب.

الخطر مازال ماثلاً، وقد يتكرر الاعتداء. إنه صراع بين نموذجين، الاول فقد القدرة على الاستمرار، مهما كسب في الوقت الاضافي للشوط الثاني، تمثله ايران. والثاني تباهي به السعودية التي تعيش مرحلة تحول ليست سهلة،هي تعرف ذلك لكنها متأكدة أن العبور الى ضفة الحداثة، لم يعد مجرد خيار، وهذا ما تسابق الزمن لتنجزه.