كتبت ماريانا معضاد في صحيفة “الجمهورية”:
عندما نسمع أحدهم يتكلّم عن «الجراحة الروبوتية»، أول ما يرد في ذهننا هو صورة رجل آلي يُجري عملية جراحية لإنسان باستقلالية. غير أنّ الصورة الواقعية تختلف تماماً.
الجراحة الروبوتية أو الجراحة بواسطة الرجل الآلي هي تقنية يلجأ إليها الأطباء في الخارج وفي لبنان، لإجراء بعض العمليات الجراحية بأقل خطر وضرر ممكن للمريض. ويمكن استعمال هذه التقنية في أي نوع جراحة، مثل جراحة الجهاز الهضمي، والكبد والمصران الغليظ، وغيرها.
في حديث لـ»الجمهورية»، قال البروفيسور كلود طيار، أخصائي في الجراحة العامة (أي جراحة الجهاز الهضمي) – وجراحة المنظار والرجل الآلي، ورئيس قسم الجراحة في مستشفى كليمنصو في بيروت، وأستاذ محاضر في جامعة UPEC الباريسية – وهو أول من أجرى عملية بواسطة الرجل الآلي في لبنان – حول الجراحة الروبوتية: «الجراحة الروبوتية هي الجراحة على المنظار، أي نُجري شقوقاً صغيرة في بطن المريض، بدلاً من الشق والفتح في جراحة المنظار العادية، حيث نُدخل كاميرا ونشاهد الصورة على شاشة تلفاز. إذاًَ يستخدم الأطباء «الروبوت» في الإجراء، أي معدات تشبه معدات عملية المنظار، ولكن تختلف عنها بأمرين:
• نظر ثلاثي الأبعاد.
• حرّية تحرّك رأس المنظار بفضل المفاصل المزودة في الداخل.
هذان الأمران يجعلان جراحة الرجل الآلي أدق من عملية المنظار العادية. ونوضح أنّ «الروبوت الجراحي» هو مجرد tele-manipulator، أي آلة متطورة، يحسّن نظر الطبيب ويرفع من دقة عمله. إذاً هو أداة يتحكّم بها الطبيب، وليس روبوتاً صناعياً». ولفت إلى أنّ المصطلح الأصح من «الجراحة الروبوتية» هو «جراحة بواسطة الرجل الآلي».
لماذا الجراحة بواسطة الرجل الآلي؟
بحسب د. كلود، «يفضّل الأطباء إجراء جراحة بواسطة الرجل الآلي في بعض الحالات، لأنّها توفّر دقّة أكبر ونظراً أفضل، ما يؤدي إلى:
– ألم أقل للمريض، وخروجه من المستشفى، وتعافيه، وعودته إلى العمل بوقت أسرع، وما له من منافع اقتصادية على المجتمع».
وذكر طيار أنّ عدد المستشفيات التي تستعمل هذه التقنية صغير جداً في لبنان، أي لا نجد أكثر من 3 أجهزة روبوت في بيروت عموماً.
السلبيات
أوضح د. كلود، أنّ «كلفة الجراحة ترتفع لدى استخدام الروبوت، وما زالت الجهات الضامنة لا تغطي النفقات في معظم الحالات، لذا يضطر المريض أحياناً إلى تغطية الفرق، أو يكتفي بعملية المنظار التقليدية، حتى ولو كانت العملية بواسطة الرجل الآلي مناسبة أكثر لحالته».
وحدّد: «سعر الآلة: 3 ملايين دولار، وكلفة كل عملية حوالى 3 إلى 4 آلاف دولار بالإضافة إلى عملية المنظار، وتكلّف الصيانة كل عام تقريباً 300 ألف دولار. كما ثمة أمور تقنية قيد التحسين، مثلاً: لا يشعر الطبيب بسماكة الأنسجة عند استعمال الجهاز، ولكن تعوّض عن ذلك مسألة تحسين النظر. ومن السلبيات أيضاً أنّ الآلة تحتاج إلى فسحة كبيرة».
أهمية الجراحة بواسطة الرجل الآلي
وفقاً لد. كلود: «في بعض العمليات، لا حاجة لإجراء العملية بواسطة الرجل الآلي، فهي لا تقدّم أي شيء إضافي عن عملية المنظار العادية (مثل عملية المرارة). وفي حالات أخرى (مثل جراحة استئصال البروستات)، اللجوء إلى العملية بواسطة الرجل الآلي يساعد في تعافي المريض أسرع، ويخفف من الآثار الجانبية. إذاً، أصبح لدينا في مجال الجراحة بمثابة لائحة من الأمراض التي تستفيد من اللجوء إلى الروبوت».
تهيئة وتدريب الأطباء
ولفت د. طيار، أنّ «هذه الأداة المتطورة موجودة في بعض المستشفيات فقط في لبنان، ولا يستخدمها سوى أطباء مؤهّلين تلقوا تدريبهم ونالوا خبرتهم في الخارج. أساساً، الشركة المصنّعة للروبوت لا تسمح لمستشفى بشراء الآلة من دون تقديم سيرة الأطباء الذاتية، ومعلومات عن تدرّبهم وعلمهم. ويمرّ الأطباء الذين توافق الشركة على استخدامها للآلة بثلاث مراحل:
1- تدريب على الآلة،
2- تدريب في المختبر،
3- تدريب على المرضى بمساعدة طبيب مختص.
كما عليهم الاستمرار بإجراء عدد محدد من هذه العمليات سنوياً كي يحافظوا على قدرتهم على استخدام الروبوت خلال الجراحات».
وأضاف، أنّ الجهاز يقسّم إلى ثلاثة أجزاء:
• قسم متصل بالمريض ويحمل أدوات الجراحة،
• قسم مخصص للجراح مع الشاشة والأداة التي يحرّكها الجراح في الهواء، وينفّذ حركاته الروبوت على المريض،
• الكمبيوتر بين الجراح والمريض الذي يتحرّك أثناء العملية. وهذا ما يرفع الدقة ويحسّن النظر، ولكن يقطع الاتصال المباشر بين المريض والجراح».
هل نقترب من جراحة آلية بالكامل؟
يستبعد البروفيسور كلود طيار الوصول قريباً إلى جراحة آلية بالكامل، من دون تدخّل بشري فيها، قائلاً: «نظرياً، ربما يمكن تصوير 1000 جراحة من نوع واحد مثلاً وتقسيمها إلى أجزاء وإعادة تنفيذ الآلة لها على المريض. ولكن واقعياً، كل مريض مختلف عن الآخر من حيث أعضائه الداخلية، وحالته الطبية…
إذاً، لا أتوقع شركة تصنّع في الأعوام الـ10 أو 20 المقبلة روبوتاً يمكنه القيام بجراحة لوحده. وأرى أنّ الأهم هو الاتجاه الآن نحو تطوير أدوات تساعد الجراح في تحسين أدائه ونتائج العملية».