كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لم تشهد المواسم الزراعية في عكّار وضعاً سيئاً كالذي تشهده هذه الأيام، كما يقول أحد المزارعين من سهل عكّار. وإذا كان القطاع الزراعي هو الداعم الأساسي لآلاف العائلات العكارية، فإن الأزمة التي تعصف بالقطاع تؤشر إلى أوضاع خطيرة ستؤثر على هذه العائلات بشكل مأسوي.
تزيد نسبة الأراضي الزراعية من مساحة محافظة عكار التي تبلغ حوالى 780 كيلومتراً مربعًا، عن الثلث، فيما يعمل حوالى 40 % من السكان في الزراعة ويعتاشون منها. ومن أهم الزراعات التي يعتمد عليها العكاريون: البطاطا، التفاح، الحمضيات، التبغ، الزيتون وزراعة الشتول أو ما يُعرف بالمزروعات الشتوية، وزراعة الخضار في البيوت البلاستيكية.
وليس من باب التهويل إذا قلنا إنّ المواسم الزراعية في عكّار أصيبت بنكبة حقيقية. فيكفي أن تستطلع أوضاع المزارعين لتكتشف تفاصيل هذه الحقيقة المرّة، ويكفي أن ترصد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية جُهّزت لزراعة البطاطا لكن أصحابها لم يستطيعوا تأمين المواد الأولية والبذور لإتمام العملية، فتراها متروكة ومهملة.
وفي جولة لـ”نداء الوطن” على مزارعين في عكّار لاستطلاع الأوضاع عن كثب، يتأكد أنّ هناك اجماعاً على وصف الوضع بـ”المشهد الحزين” حيث يتناقل المزارعون عبارة واحدة: “الحال من بعضه”.
المحمرة
في المحمّرة وهي بلدة على مداخل عكّار تشتهر بالزراعة، كان لنا استطلاع للأوضاع ولقاء مع عدد من المزارعين وأصحاب البيوت البلاستيكية والمشاتل. ماجد حسين وهو صاحب مشتل في المنطقة، تحدّث لـ”نداء الوطن” عن الأحوال فقال: “كل الأسعار ارتفعت والأكلاف زادت الأعباء على المزارع بنسبة 40 % مقارنة بالسابق، وما زالت أسعار المبيع في الأسواق بسعر الجملة. لا شكّ أن كل سنة تمر على المزارعين تكون أصعب من سابقتها. ونحن كأصحاب مشاتل زراعية قد تأثّرنا هذه المرة بالغلاء وتراجع العملة مقابل الدولار. هذا الأمر أدى إلى زيادة الأسعار على المزارع الذي هو في الأصل يعاني الأمرّين ولا تنقصه مشاكل إضافية أو معاناة فوق المعاناة”.
واعتبر رئيس الجمعية التعاونية للبيوت المحمية في الشمال عمر صوفان أنّ “كل المواد التي نريد أن نشتريها اليوم أصبحت تسعّر بالدولار غير المتوفر أصلاً وفق التسعيرة التي اعتمدها مصرف لبنان. وإذا أردت أن تشتريه من السوق السوداء فسعره قد تخطّى الألفي ليرة وليس هناك إمكانية مادية لدى المزارعين للقيام بهذا الأمر لأن معظم أشغال المزارع تعتمد على التسليف من السماسرة”.
وقال لـ”نداء الوطن” إنّ “المزارع اليوم بين نارين. ليس قادرًا على العودة الى الوراء، ولا على الإكمال والتصريف بالليرة اللبنانية. والشركات الخاصة لم تعد تسلّم. وإذا ما أضفنا المنافسة الأجنبية بالسعر والكمية، لذلك فإنّنا لا نحسد على أوضاعنا والمزارع والقطاع في الطريق إلى الإنهيار التام”.
سهل عكّار
منطقة سهل عكّار زراعية بامتياز. هنا الأهالي يعتمدون على المواسم الزراعية اعتمادًا كاملًا لتأمين المعيشة ومتطلبات الحياة المختلفة. هناك أراضٍ جهّزت كما كل سنة لتحتضن موسم البطاطا ولم يستطع أصحابها بعد حراثة الأرض وتأمين البذور التي تخطّى سعر الطن الواحد منها 900 دولار والدفع يجب أن يكون نقدًا. في هذا الإطار يقول رئيس تعاونية مزارعي البطاطا في عكّار والشمال حسين الرفاعي لـ”نداء الوطن: “البطاطا موسم أساسي لآلاف العائلات. وكيفما حاولت ولوج هذا العالم تواجهك الأزمات والصعوبات. فلو تحدثنا عن المنافسة والبطاطا الخارجية، فهناك أزمة. ولو تحدثنا عن ارتفاع كلفة الإنتاج وصعوبات التصريف والأسعار المتدنية، فثمة أزمة. ولو تحدثنا عن الوضع الحاصل حديثاً بسبب سعر الدولار، فهذه أيضًا أزمة كبرى”.
أضاف: “المصارف لم تعد تؤمّن القروض والشركات المستوردة لا تبيع إلا بالدولار والمزارع هو المتضرر من كل ما يحصل في النهاية. وما يحصل حاليًا أن بعض المزارعين فضّلوا زراعة كميات أقل عن المواسم الماضية واستطاعوا تأمين البذور بالإعتماد على العلاقات الشخصية أو لديهم بعض السيولة المادية من الموسم الماضي، والبعض الآخر لم يزرع من الأصل لأنه غير قادر على تأمين البذور وظلت أرضه من دون زراعة. هذا الأمر لا شك سيؤدي إلى تراجع إنتاج عكار وإنتاج لبنان بشكل عام من البطاطا للموسم المقبل، فأوضاع المزارعين في البقاع ليست أفضل منّا على الإطلاق والمشاكل هنا وهناك هي نفسها”.