Site icon IMLebanon

الحريري من التعطيل إلى الابتزاز: أنا أو لا أحد… وبشروطي!

مرة جديدة يحرق سعد الحريري اسماً كان يفترض أن يخلفه في رئاسة الحكومة. سمير الخطيب اعتذر من دار الفتوى، بعد أن سمع منها تأييداً لعودة الحريري. لكن ذلك كان مكلفاً. الحريري ودار الفتوى معاً أعطيا المشروعية لمبدأ التفاهم على اسم الرئيس المكلّف قبل الدعوة إلى الاستشارات، ما يعني التأليف قبل التكليف. وبذلك، يكون الحريري قد انتقل من التعطيل إلى الابتزاز: أنا او لا احد، وبشروطي. هذه المرة، يستند إلى موقف طائفي صريح، وإلى شروط دولية يُنتظر أن تظهر في مؤتمر باريس للمجموعة الدولية لدعم لبنان الخميس المقبل

كل المؤشرات كانت تدل على أن مصير سمير الخطيب سيكون كمصير بهيج طبارة ومحمد الصفدي. «السادية» السياسية التي يمارسها الرئيس سعد الحريري صارت مكلفة جداً. البلد في انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، فيما هو يتلذذ بتقديم الأضاحي على طريق وصوله إلى السراي الحكومي… ودائماً تحت شعار: «ليس أنا بل غيري». ولذلك، تحديداً فإن سؤال ما بعد تأجيل الاستشارات النيابية إلى الإثنين المقبل، سيكون من هو التالي على لائحة الحرق؟ حتى الآن ثمة اسمان على الطاولة: نواف سلام وفؤاد مخزومي.
لم يكن مفاجئاً أن ينسحب الخطيب، لكن السيناريو هو الذي لم يكن واضحاً، فإذا بالإخراج يأتي سيّئاً وطنياً وطائفياً. «علمت من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات مع أبناء الطائفة الاسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة»، قالها سمير الخطيب، بعد لقائه المفتي عبد اللطيف دريان. ثم «أبلغها» للحريري، الذي يُتوقع أن يكون، لزوم الحبكة الدرامية، قد فوجئ بقرار الخطيب الانسحاب.
ذلك السيناريو كان نضج مع بيان العائلات البيروتية، ثم مع زيارة الوزير نهاد المشنوق إلى دار الفتوى، لكن حق السبق يبقى محفوظاً لرؤساء الحكومات السابقين. هؤلاء كان هالهم، على ما جاء في بيانهم، «الاعتداء السافر على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها وبنتائجها». لم يجدوا صعوبة، حينها، في اتهام رئيس الجمهورية وصهره باستباق الاستشارات و«ابتداع ما يسمى رئيساً محتملاً للحكومة».
أمس تبيّن أن المشكلة ليست بالاعتداء على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلّف، بل بالجهة التي تعتدي. ولذلك، فإن الاعتداء من دار الفتوى مسموح في هذه الحالة، ويقع في موقعه الطبيعي!
لكن هذا لا يلغي أن الحريري ودار الفتوى قد خطوا خطوة يصعب التراجع عنها. وهما أعطيا المبرر لعون، ولأي رئيس يأتي من بعده، ليعمد إلى التفاهم على اسم الرئيس المكلف قبل أي استشارات. هكذا ببساطة، وبعد أن حفلت الأيام الماضية بحساسية عالية من «تخطّي الدستور» و«استباق الاستشارات»، أعلن دار الفتوى على الملأ، وقبل الاستشارات، تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة.
خير من عبّر عن هذه السقطة كان بيان للقاء التشاوري وتغريدة للنائب فيصل كرامي. فقال اللقاء، بعد اجتماع له في منزل النائب عبد الرحيم مراد، إن «مصادرة الحياة السياسية من قبل المرجعيات الدينية ينهي دور المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها المجلس النيابي». وذهب كرامي أبعد من ذلك، ليسأل «ما جدوى الاستشارات النيابية الملزمة إذا كانت الطائفة السنية أعلنتها من دار الفتوى مبايعة شاملة لسعد الحريري؟». ثم يضيف: «الطائف «باي باي»، وبأيدي السنّة قبل سواهم».
وتأكيداً لغرق الحريري في شرّ أعماله، كان بيان رئاسة الجمهورية مباشراً في الإشارة إلى أن تأجيل الاستشارات يهدف إلى إفساح المجال أمام «المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة». كما جاء في البيان أن التأجيل أتى بناءً على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، علماً بأن الوزير سليم جريصاتي أكد أن الحريري كان من بين القيادات التي طلبت التأجيل.

الخطيب ينسحب: الطائفة السنية توافقت على تسمية الحريري

ماذا بعد؟ وكيف يمكن أن ينتهي هذا الوضع؟ حتى اليوم، أثبت الحريري أنه يتحكم في اللعبة الحكومية، وإن خسر المعركة الدستورية. يعد ويتعهد ويلتزم، ثم يترك مهمة التخريب لغيره، واثقاً بأن خصومه لا يفضّلون غيره رئيساً للحكومة. وهو ما عاد وأكده النائب محمد رعد أمس بإشارته إلى تمسك حزب الله «بصيغة الوفاق الوطني واتفاق الطائف». أضاف: لذلك كان قرارنا أن يتمثل رئيس الحكومة برئيس الأكثرية السنية، أو من يوافق عليه أو من يرشحه كرئيس».
عندما طرح اسم الخطيب، أكد الحريري لعلي حسن خليل وحسين خليل أنه سيصوّت له. وعندما أُعلن بيان رؤساء الحكومات السابقين، أعاد التأكيد للخليلين أنه ملتزم بالاتفاق. صدّقه الأخيران، وصدّقه رئيس الجمهورية، فدعا إلى الاستشارات، التي كان يفترض أن يسمّى خلالها الخطيب. لكن يبقى سؤال بلا إجابة: لماذا منح عون مهلة زمنية لمن يريد إحراق الخطيب؟
إخراج أمس، أعاد به الحريري الأمور إلى المربع الأول. فإحراق اسم الخطيب هو إحراق للتسوية الحكومية، التي كان عنوانها تسمية الخطيب. وعليه، هل عاد الحريري إلى الابتزاز، مستعيداً شروطه القديمة: حكومة تكنوقراط يترأسها هو، ولا يشارك فيها حزب الله وجبران باسيل؟
بحسب معطيات أمس، فإن ما يؤخر تشكيل الحكومة حالياً هو الصراع بين «الحريري رئيساً لحكومة لا تضم باسيل» وبين «إما الحريري وباسيل في الحكومة معاً أو خارجها معاً». وإلى الإثنين المقبل، إذا لم تمل الكفة إلى أي من المعادلتين، فإن تأجيلاً جديداً لن يكون مفاجئاً.