لم يكن مفاجئا ان يسقط ترشيح سمير الخطيب في ربع الساعة الاخير الذي يسبق الاستشارات، فالتحاليل والمعطيات كلّها كانت تؤشر الى ان الرجل لن يكمل مشواره الى السراي، نظرا الى غياب الغطاء السني له، أولا، والشيعي ثانيا، والشعبي ثالثا. غير ان المفاجئ كان في اعلان قصر بعبدا إرجاء الاستشارات الى الإثنين المقبل في 16 كانون الاول “افساحا في المجال امام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتمل تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة”.
فوفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، العبارات “المنمّقة” التي تضمّنها بيان رئاسة الجمهورية، تعني “عمليا” و”واقعيا” وبكلمات أوضح، الآتي: بعد خلط الاوراق على الطاولة الحكومية، نحتاج الى وقت اضافي لإنضاج طبخة جديدة، فنجد شخصية أخرى لتكليفها ونتّفق معها سلفا على شكل الحكومة العتيدة وتوازناتها، قبل ان نتّجه الى بعبدا للتصديق عليها! هذا المسار بما يمثّله من إمعان في خرق الدستور، وفق المصادر، يثبت أن اهل الحكم متمسكون بذهنية المحاصصة وتقاسم الجبنة، وان معادلة التأليف قبل التكليف، التي أعاقت التشكيل رغم مرور اكثر من شهر على استقالة الرئيس سعد الحريري، مستمرة، وسيبقى يسود عملية استيلاد الحكومة في الفترة المقبلة. وبما ان الاسلوب لم يتغيّر، فعلى الأرجح النتيجة لن تتغير: أي ان لا حكومة في المدى المنظور.
على اي حال، دخل معطى جديد على المشهد الحكومي امس، تمثل في حسم دار الفتوى هوية الرئيس الذي تريد ان يُكلّف، أي الحريري. ومع ان هذا الموقف يشكل هو الآخر، ضربة للعبة الديموقراطية وللاصول الدستورية للتأليف، الا ان المصادر تقول ان الامر الواقع هذا لا مفر من التعامل معه وأخذه في الاعتبار لدى اهل الحكم.
فاذا كان المطلوب الخروج من التخبط السياسي والابتعاد عن الانفجار الاقتصادي- الاجتماعي، على التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، المسارعة الى اعلان دعمهم للحريري، وبشروطه.
ذلك ان الرجل لن يقبل بالتكليف اذا فُرضت عليه قيود واسماء وتوزيعات معلّبة، وبات معروفا انه يريد حكومة تكنوقراط صافية. ويفترض ان يكون هذا الثلاثي، بات مدركا ان الضغط على الحريري لن ينفع، ولن يكون الا مضيعة “مكلفة” للوقت.
وعليه، لا حل امامهم سوى تكليفه.. وبعدها، ليقل “الشارع” كلمته فيه: فإما يقبل بالرئيس الحريري كـ”أبغض الحلال” نظرا الى الظروف الاقتصادية غير المسبوقة التي يمر بها لبنان، او ينتفض رفضا له وتمسّكا بمقولة “كلّن يعني كلّن”.
وهنا، تشير المصادر الى ان الرئيس الحريري قد يقرر، اختصارا للوقت وتفاديا لتحدي الشارع واستفزازه، التمسك بمعادلة “ليس انا بل اي أحد غيري لرئاسة الحكومة”. وفي هذه الحال، من الضروري ان يسارع اهل الحكم الى ايجاد شخصية جديدة لتأليف الحكومة، تكون بطبيعة الحال، مقبولة في البيئة السنية. واذا كانوا جديين في انقاذ البلاد ولا يناورون، فخارطة الطريق معروفة: يجب تكليف شخصية كفوءة مستقلة، وتركها تؤلف الحكومة التي تراها مناسبة لانقاذ البلاد من المصير الأسوأ الذي ينتظرها، وهي بطبيعة الحال ستكون مؤلفة من تقنيين مستقلين نظيفي الكف وذوي اختصاص.
فهل يمكن ان نرى هذا السيناريو يتحقق الاثنين المقبل؟ الجواب على الارجح، سلبي، تقول المصادر بالاستناد الى الموقف السني الملتف حول الحريري، وإلا لكانت الاستشارات حصلت اليوم، في موعدها الأصلي من دون ارجاء وتأخير، على حد تعبيرها.