لم يكن إرجاء الاستشارات النيابية الملزمة مفاجئاً للبنانيين الذين اعتادوا ممارسات الطبقة السياسية التي تضرب الدستور بعرض الحائط غير آبهة لا بالأصول الدستورية ولا بالأوضاع المالية والاقتصادية في بلد غرق في الانهيار وكأننا نملك ترف الوقت، ولا من مسؤول يشعر بهول الكارثة وبضرورة التصرّف فوراً!
أكثر من 54 يوماً على الثورة، وأكثر من 40 يوماً على استقالة الحكومة الماضية تحت ضغط الشارع، والمسؤولون في لبنان يتجادلون في جنس الحكومات والوزراء في حين سقطت أسوار البلد المالية والاقتصادية والاجتماعية. فالقطاع المصرفي انهار تقريباً أو يكاد، مالية الدولة انهارت وإيراداتها في الشهر الأخير “صفر” كما أكد وزير المالية أمام لجنة المال والموازنة. مئات الشركات والمؤسسات أقفلت أبوابها. عشرات آلاف الموظفين في القطاع الخاص خسروا وظائفهم، وعشرات الآلاف يستمرون بنصف راتب. أزمة استيراد هائلة تعصف بالبلاد، وأزمات مستمرة في المحروقات والأدوية الطبية للمستشفيات وغيرها وغيرها، ولم يجد المسؤولون غير إرسال رسائل استجداء من الخارج حتى لا نقول تسوّل!
منذ أكثر من 40 يوماً والقوى السياسية، وعوض أن تسارع إلى تشكيل حكومة ترضي اللبنانيين وترسل إشارات إيجابية إلى الأسواق المالية في الداخل والخارج وتطمئن المجتمعين العربي والدولي إلى النوايا الجدية لبدء ورشة الإنقاذ، يتابع اللبنانيون مساراً سياسياً انحدارياً عنوانه محاولات تسجيل متبادلة للنقاط السياسية، وعملية التفاف على المطالب الشعبية عبر محاولة إعادة استنساخ الحكومة السابقة بطريقة أو بأخرى وكأن المعادلة باتت محاولة فرض هزيمة الشعب اللبناني وتفجير الأوضاع المالية والاقتصادية كرمى لتثبيت مواقع البعض سياسياً داخل الحكومة العتيدة!
وكأنه لم يكن ينقصنا سوى ألا يرى “حزب الله” في كل ما يجري “محاولة استهداف للمقاومة” على حدّ تعبير النائب محمد رعد، وكأن الوطن يجب أن يكون فداء لـ”حزب الله”، عوض أن يكون الحزب فداء للوطن، فيما لو صحّ ادعاؤهم بأن همّهم هو حماية لبنان، في حين يتبيّن أن كل ما يعنيهم هو الحفاظ على سلاحهم للدفاع عن المشروع الإيراني في المنطقة ولو أدى ذلك إلى الإجهاز على لبنان واقتصاده وشعبه!
في هذا السياق كان مثيراً للاشمئزاز هذا الهجوم الذي شنّه “حزب الله” بالمباشر عبر رئيس كتلته النيابية على سيادة المطران الياس عودة، وبالواسطة عبر البعض الآخر من السياسيين الذين أعادونا إلى زمن تحريك الاحتلال السوري من عنجر أبواقاً للهجوم على البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في كل مرة كان يتطرق في عظته وكلامه إلى الملفات السيادية. وها إن البعض اليوم اجترّ الأساليب نفسها للتهجّم على المطران عودة الذي تحدّث باسم كل لبناني شريف وليس باسم طائفة أو مذهب، وكأنه قدر لبنان في هذا الزمن أن يبقى معلقاً على صليب المصالح الإيرانية في المنطقة من فريق يمتهن التبعية لإيران ويحاول أن يحكم لبنان عبر وهج السلاح كما قال سيّدنا…