كتبت جويل رياشي في صحيفة الأنباء الكويتية:
«لو الناس بتخصص شوي من المصريات (الأموال) التي تصرفها على تلفوناتها (أجهزتها الخليوية) للقراءة، لكانت المطبوعات الورقية (يقصد الكتب) بألف خير».
الكلام لـ «أبو هيثم» صاحب مكتبة «بيسان» المعروفة في شارع الحمرا ببيروت، حيث نبض العاصمة اللبنانية، على الرغم من محاولات عدة لنقل العاصمة التجارية اللبنانية الى أمكنة أخرى في دائرة عرفت بـ «وسط بيروت» وما تفرع عنها من «أسواق بيروت» و«الواجهة البحرية».
آلاف الكتب على اختلاف أنواعها تزدحم بها المكتبة الواقعة في شارع «المهاتما غاندي»، أحد المتفرعات (الزواريب) في شارع الحمرا الذائع الصيت، والواقع في نهايته لجهة المنارة.
«عالم القراءة لا يزال بخير، وهناك جيل لا يزال يواظب على الكتب ويطلبها ويقبل عليها»، يقول صاحب المكتبة وهو ينفث الدخان من سيجارته. فيما يتولى دياب (سوري من ريف حلب) وأحد زملائه خدمة التوصيل الى السيارة لزبائن حجزوا طلباتهم، ويواجهون صعوبة في ركن سياراتهم في الشارع المزدحم. ويستطيع دياب أيضا ان ينصح بكتب لهواة المطالعة من أعمال روائية وغيرها، انطلاقا من نهمه على القراءة.
في المكتبة العريقة أيضا قسم للمحفوظات يضم منشورات عن دور نشر أقفلت منذ أعوام. هذه النسخ تحتاج ورقاتها الى عملية ترميم بعدما نال منها الاصفرار والتشقق، الى كتب أخرى غير معروضة بعد حصول دور نشر جديدة على حقوق إعادة طباعتها، وبينها مؤلفات لغابرييل غارسيا ماركيز. وجديد ««ابو هيثم»، حصوله على نسخ من كتاب عن المطبخ الفلسطيني تعود الى منتصف الثلاثينيات.
ويسرد الرجل حكاية عن الوكيلة القانونية للشاعر الراحل جوزف حرب الذي غنت له فيروز مجموعة من قصائده. وفي الحكاية ان شركة انتاج مصرية طلبت الحصول على 10 قصائد من أعمال حرب لإنتاجها موسيقيا، الا ان الورثة رفضوا، «انطلاقا من تشديد الراحل على معرفة أدق التفاصيل لجهة المغني والملحن والتوزيع الموسيقي».
في محيط «بيسان» أماكن عدة لدور نشر، تعرض الكتب في واجهاتها، وبعضها نشر الكتب رفوفا عالية على الرصيف، على طريقة محلات التصفية الخاصة بالألبسة التي تنتشر بقوة في مناطق عدة من لبنان.
شارع الحمرا الذي افتقد في بدايته من محيط مصرف لبنان نقطتي بيع (كشكين) تاريخيتين للمطبوعات من مجلات وصحف يومية، أولاها أمام المبنى القديم لصحيفة «النهار»، والثانية أمام مبنى «فرنسبنك» على بعد أمتار قليلة، لا يزال يشهد نقاطا للبيع على الأرصفة في القسم الأخير من خط سيره الرئيسي (مقابل مطعم «ملك البطاطا» تحديدا).
النقطتان الأولى والثانية اللتان تحدثنا عنهما مقفلتان، علما ان الثانية توقفت بعد الأولى، وكان صاحبها يردد انه فقد زبائنه تدريجيا بعد إقفال «السفير» (نهاية 2016) وانتشار شبكة الانترنت «التي جعلت الزبائن ينصرفون عن المجلات الاسبوعية الفرنسية في غالبيتها، ثم إقفال دار الصياد (نهاية 2018) الى توقف صدور «الحياة».
صمود ورقي في القسم الأخير من الشارع، في حين تنتشر في قلبه الرئيسي مقاه وان تبدلت أسماؤها. هنا، لا يزال البعض من رواد المقاهي يشتري الصحف الورقية ويضع كتبا على الطاولات الى جانب فناجين القهوة، مع تقدم لافت للأجهزة الخليوية، والألواح والقليل من الكومبيوترات المحمولة.
قراءات مختلفة سواء عبر الورق أو الألواح، مع تسجيل مفارقة في صمود مكتبات عريقة مثل «بيسان» و«انطوان» (المكتبة الضخمة التي تشهد انتشارا في مراكز عدة سواء عبر مبان خاصة كما في الحمرا وسن الفيل (المقر الرئيسي) اوالمجمعات التجارية وغيرهما. هكذا يبدو شارع الحمرا الذي ارتبط اسمه ببيروت ونهضتها ومقاهيها. الرزنامة لم تسقط كامل أوراقها بعد، وإن كان العداد يميل فيها الى الرقمي.