Site icon IMLebanon

المشترك والمختلف بين 1975 و2019.. أسباب الحرب ليست قائمة اليوم!

كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:

إنطلاقاً من بيت الشعر القائل «ومن لم يَمت بالسيف مات بغيره/ تعدّدت الأسباب والموت واحد»، فإنّ أسباب انهيار لبنان، أكانت من طبيعة سياسية أو معيشية -اجتماعية، تفقد أهميتها إذا كانت النتيجة واحدة وقادت إلى الانهيار.

ما الفارق بين انقسام وطني سياسي حاد يؤدي إلى تفكك الدولة وانهيارها، وبين إفلاس مالي واقتصادي يؤدي إلى النتيجة نفسها؟ وهل تظنّ الأكثرية الحاكمة انّ بإمكانها صون هيكل الدولة إذا استمرت الأزمة المالية بسبب تبديتها مصالحها السلطوية على مصلحة الناس والبلاد؟ وماذا لو لم تتمكن بعد أشهر قليلة من دفع رواتب القطاع العام ومن ضمنها المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية؟

وما نفع التعنُّت إذا كان السقف اللبناني سيسقط على رؤوس جميع اللبنانيين من دون استثناء؟ وهل تدرك الأكثرية الحاكمة أنه بسبب سياساتها أصبح لبنان في صلب الانهيار، وأنّ مواصلتها السياسة نفسها ستعيد لبنان إلى ما قبل عام 1990 ولو بأشكال أخرى؟

وإذا كان من الظلم إسقاط الواقع الحالي على واقع عام 1975 لأنّ الشعب اللبناني يقدِّم منذ اندلاع الثورة في 17 تشرين الأول أبهى صور الوحدة الوطنية من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، إلّا أنّ مؤدّيات الانهيار المالي لا تختلف عن مؤديات الانهيار السياسي لجهة سقوط الدولة وما يستتبعه هذا السقوط من سيناريوات مجهولة بفعل الجوع والعوز، وما يسببه من اضطرابات وحوادث وقلاقل وتفلّت وانهيارات.

فالأسباب التي أدت إلى الحرب منتصف سبعينات القرن الماضي غير موجودة اليوم، ولا بأس من تعداد بعضها:

أولاً، شكوى إسلامية عارمة من غياب المساواة ودعوات إلى تعديل الدستور، فيما الشكوى اليوم من خرق هذا الدستور ولا توجد فئة طائفية وازنة تدعو إلى إعادة النظر في الدستور.

ثانياً، إنقسام مسيحي-إسلامي حاد بين تبنّي المسلمين المقاومة الفلسطينية وتسليحها وقتالها من لبنان ضد إسرائيل، وصولاً إلى اعتبارها جيش المسلمين، وبين رفض المسيحيين منطق المقاومة داخل الدولة كونها ستنتهي بسيطرة المقاومة على الدولة.

وعلى رغم أنّ الانقسام ما زال من الطبيعة نفسها لجهة استخدام لبنان ساحة وتغييب الدولة، إلّا أنّ الانقسام حول المقاومة التي انتقلت من فلسطينية إلى إيرانية مع «حزب الله»، ليس انقساماً طائفياً على غرار ما سبقه، بل تحوّلَ اصطفافاً وطنياً بين 8 و14 آذار.

ثالثاً، تبنّي المسلمين المقاومة دفعَ بالمسيحيين إلى التنَظّم والتسلّح استعداداً للحرب، فيما الطرف الوحيد المسلح اليوم في لبنان هو «حزب الله»، ولا نيّة للأطراف الأخرى مواجهة السلاح بالسلاح، وظروف الأمس تختلف أساساً عن ظروف اليوم.

رابعاً، الرهان على الحسم والغلبة تفوّق على الرهان على الحوار على وقع تعبئة طائفية استثنائية بَدّت المواجهة العسكرية على أي اعتبار آخر، فيما لا تعبئة طائفية اليوم ولا رهانات على الحسم أو غيره، والرهان الوحيد هو على وعي الناس الذي تظَهّر في انتفاضة 17 تشرين، كما على مفاوضات دولية وإقليمية مع إيران تؤدي إلى تحوّل «حزب الله» حزباً سياسياً.

خامساً، حاجة عربية بعد حرب عام 1967 بالتخلّي عن عبء القضية الفلسطينية، ونقلها من مشكلة تهدّد كل العرب إلى مشكلة محصورة في لبنان، وذلك على وقع صراع دولي وجد في لبنان «تنفيسة» لا تهدد الأمن الإقليمي، فيما المجتمع الدولي منشغل بمشكلاته وهمومه ويفضِّل ان يحافظ لبنان على استقراره، ولكنه لن يضع أي جهد استثنائي لمنع انهيار لبنان، خصوصاً انّ الانهيار ليس من طبيعة خلافية سياسية، بل بسبب سوء إدارة وفساد غير مسبوق.

فالمقارنة بين 1975 و2019 لا تجوز، كما لا يمكن إطلاقاً تحميل ثورة 17 تشرين أية مسؤولية لـ3 أسباب أساسية: لأنّ انتفاضة الناس هي ردّ فعل على وجع معيشي ومخاوف على المستقبل بسبب سياسة أكثرية حاكمة أوصَلت لبنان إلى الإنهيار؛ لأنّ ثورة الناس وَحدّت اللبنانيين في مشهد حَطّم ما تبقى من جسور، وأظهَر وجود قواسم مشتركة يؤسّس عليها لبناء الدولة الفعلية؛ لأنّ الناس تريد وتسعى إلى دولة ودستور وقانون واستقرار، وليس الى فلتان وفوضى ولا استقرار.

ولكن عدم جواز المقارنة بين 1975 و2019 لا يعني عدم الوصول إلى النتيجة نفسها، لأنّ انحلال الدولة بسبب الانهيار المالي سيحوِّل لبنان دولة منكوبة تتفشّى فيها الفوضى والجرائم والعصابات والسرقات والقتل بالعشرات، الأمر الذي يُفضي إلى انهيار هيكل الدولة الذي استمر في عزّ الحروب، ويقود إلى سياسة أمر واقع بفعل الظروف المستجدة.

وإذا كان تجنيب لبنان الحرب لم يكن ممكناً بسبب تداخل العوامل الداخلية والخارجية وحِدّة الانقسام والتوتر، على رغم وجود نظريات تقول إنّ الإنقاذ كان مُتاحاً، فإنه من غير المقبول ولا المسموح ان تقود أكثرية حاكمة لبنان إلى الخراب والمجهول والتفكك والانهيار بفعل تمسّكها بسياسات المصالح السلطوية والنفوذ السياسي والأدوار الفئوية والتخريبية.

وإذا كانت وحدة الشعب اللبناني تشكّل الضمان لعدم انزلاق لبنان إلى المحظور، إلّا أنّ هذه الوحدة لا تكفي إذا انهارت الدولة ودخل لبنان في حقبة «يا ربّي نفسي» و«كل مين إيدو إلو»، خصوصاً في ظل تعنُّت الأكثرية الحاكمة التي ستتحمّل أمام الله والشعب والتاريخ المسؤولية عن خراب لبنان، فيما خريطة طريق الإنقاذ موجودة وبمتناول اليد، وتشكّل حاجة اقتصادية ومطلبية للناس في آن معاً، وتتلخّص بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين تقود لبنان إلى شاطئ الأمان، وذلك بعيداً عن أدبيات إيديولوجية انتهت صلاحيتها ربطاً بالوضع المعيشي الكارثي، ومكاسب سلطوية غير قابلة للصرف في حال سقوط الدولة على رؤوس الجميع.

وعلى رغم أنّ لبنان أصبح في صلب الانهيار غير المسبوق في تاريخه، وعلى رغم أنّ الأكثرية الحاكمة ما زالت تتصرّف وكأنّ البلد بألف خير وإصرارها على تشكيل الحكومة بالطريقة القديمة نفسها أكبر دليل على ذلك، إلّا أنّ الأمل ما زال موجوداً ليس بوعي هذه الأكثرية طبعاً، إنما بمواصلة الناس ثورتها من أجل أن تمنع انهيار لبنان عن طريق فرضها الحل المُرتجى بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين.