Site icon IMLebanon

نبوءة السلطة… “سنجرفكم في لحظة لا تتوقعونها”

وفي “اليوم الدولي لمكافحة الفساد”… طافت مجارير السلطة فطفح كيل فسادها على شكل مستنقعات وبحيرات شقت طريقها نحو الأنفاق والتقاطعات والمنازل والمحال التجارية. بجدارة استحق أهل السلطة لقب “قطاع الطرق” بالأمس، بعدما قطّعوا السبل باللبنانيين و”غمروهم” بطوفان من السيول الجارفة تحت وطأة سوء إدارة المضخات وعجزها عن تصريف مياه الأمطار. وكأنها نبوءة السلطة تتحقق في مشهد سريالي، شبّه به أحد المواطنين الغارق بسيارته في نفق الأوزاعي ما حصل أمس بتوعّد الوزير جبران باسيل في خطابه الشهير في 13 تشرين بـ”النهر الجارف”، قائلاً بتهكّم لمراسل “نداء الوطن”: “ألم يقل حينها “سنجرفكم في لحظة لا تتوقعونها؟” وها هم قد جرفونا اليوم”!

عند كل “شتوة”، تبدو السلطة بمختلف أجهزتها وإداراتها في مظهر المتفاجئ الذي باغتته الأمطار كما لو أنها انهمرت في آب اللهاب وليس في عزّ كانون… مشهدية تتكرر في كل عام ومهزلة تقاذف المسؤوليات والتنصل منها مستمرة لتدل بالجرم المشهود على سلطة فاشلة ودولة مارقة غارقة في الفساد والإفساد تضع أرواح الناس وأرزاقهم ومصالحهم الحيوية في قعر سلّم أولوياتها.

ولأنها كذلك، ثارت ثائرة الشعب فانتفض في 17 تشرين على طبقة أطبقت على زمام الحكم وعلى أنفاس اللبنانيين فأفقرتهم وأفرغت خزينتهم العامة بمزاريب الهدر والفساد وتناتش المغانم السلطوية. وبينما كان المواطنون يغرقون أمس في العراء تجرفهم سيول الأمطار على الطرقات، كان أرباب الحكم يحتسون الشاي الساخن في صالوناتهم ويستغرقون في تبادل آخر المعلومات وجديد المستجدات على شريط عملية تقاسم النفوذ الحكومي ورسم خريطة التكليف والتأليف بشكل منفصم عن واقع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي المتسارع في البلد.

وفي جديد المعلومات المتوافرة، اختصرت عبارة “نريد أن نعرف ماذا يريد الحريري” التي قالها “حزب الله”، على لسان رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد، عنوان المرحلة الجديدة غداة سقوط ترشيح سمير الخطيب بضربة دار الفتوى القاضية معيدةً بذلك عملية التكليف والتأليف إلى “بيت الطاعة” السنّي في “بيت الوسط”. وتحت سقف هذه العبارة، أوضحت مصادر قيادية في قوى 8 آذار لـ”نداء الوطن” أنّ عملية التكليف باتت أمام معطى “قديم جديد” ينتظر ما سيقرره رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، معربةً عن قناعتها بأنّ “الحريري سيكون هو على الأغلب من سيُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة وهذا ما كنا نطالب به جهاراً نهاراً منذ لحظة استقالته”. وكشفت في هذا السياق عن “اتجاه جدّي نحو تثبيت موعد الاستشارات النيابية الملزمة في موعدها المقرر الاثنين المقبل على أن تفضي بنتيجتها إلى إعادة تكليف الرئيس الحريري بعد حصوله على تسهيلات وضمانات متقدمة تريحه في تأليف حكومة تكنو – سياسية مع تخفيض مستوى التمثيل السياسي فيها”. ورداً على سؤال، أجابت: “نعم الحريري سيقبل بحكومة تكنو – سياسية إذا لم يكن مستوى التمثيل السياسي مستفزاً فيها”.

وإذ يبدو انطلاقاً من مصادرها، أنّ قوى 8 آذار بصدد التجاوب أكثر فأكثر مع طروحات الحريري والمضي قدماً باستبعاد الأسماء السياسية المستفزة، كشفت مصادر واسعة الاطلاع على كواليس المشاورات الجارية أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون الممتعض أساساً من أداء رئيس حكومة تصريف الأعمال بات أيضاً مستاءً من تماهي “حزب الله” مع الحريري وشروطه، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ هذا الاستياء الرئاسي مرده بشكل أساس إلى ما تناهى إلى أسماع دوائر قصر بعبدا عن اتجاه لدى الحزب “بمعية الرئيس نبيه بري” لإبداء ليونة أكبر إزاء المتطلبات التي يراها الحريري ضرورية لتولي المهمة الحكومية تمهيداً لتعبيد الطريق أمام تكليفه الاثنين المقبل. غير أنّ المصادر لم تخفِ في المقابل توجسها من إمكانية إبداء “التيار الوطني الحر” بشخص رئيسه تصلباً أكبر في المواقف بشكل يدفع رئيس الجمهورية إلى “فرملة” اندفاعة الثنائي الشيعي نحو ترجمة التسهيلات اللازمة لتكليف الحريري.

في الغضون، وعلى وقع تشديد ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش من قصر بعبدا على أنّ اجتماع باريس سيكون “بمثابة إشارة قوية لالتزام دول مجموعة الدعم الدولية بالعمل مع لبنان”، يستعد وفد لبنان للمشاركة في الاجتماع غداً برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، الذي عقد أمس اجتماعاً تحضيرياً في قصر بسترس لأعضاء الوفد اللبناني تناول مختلف جوانب الموقف اللبناني عشية المغادرة إلى العاصمة الفرنسية.

وعن أجندة اجتماع مجموعة الدعم للبنان برئاسة كل من فرنسا والأمم المتحدة، أعلنت الخارجية الفرنسية أمس أنه “سيتيح للأسرة الدولية أن تدعو إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وفعّالة تتخذ القرارات الضرورية لإعادة تصحيح الوضع الاقتصادي اللبناني وللتجاوب مع متطلبات الشعب اللبناني الذي عبّر عنها”، لافتةً الانتباه إلى أنّ اجتماع باريس “سيحدد الشروط والإصلاحات الضرورية المطلوبة من السلطات اللبنانية كي تواكب الاسرة الدولية لبنان”، مع تجديد وقوف فرنسا “في هذه الظروف الصعبة إلى جانب لبنان واللبنانيين لضمان استقرارهم وأمنهم الأساسي للمنطقة”.

وبخلاف الحماسة الفرنسية، تبدو واشنطن متريثة في الاندفاع نحو تقديم يد المساعدة للبنان بعدما تفاجأت من أداء السلطة اللبنانية إزاء معالجة الأزمة الحكومية، حسبما نقلت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ مسؤولين أميركيين أعربوا عن انتقادهم بصراحة لتباطؤ المعنيين في الدولة اللبنانية بعملية تشكيل الحكومة الجديدة وتأخير الاستشارات النيابية الآيلة إلى تكليف رئيس جديد للحكومة، وقد أبدوا من هذا المنطلق استغرابهم كيف أنّ العالم يبادر لإبداء استعداده لمساعدة لبنان في هذه المرحلة الخطرة بينما المسؤولون اللبنانيون أنفسهم لا يزالون يتصرفون وكأنهم أمام أزمة حكومية عادية متجاهلين كل النصائح التي أسديت إليهم للحؤول دون انهيار الوضع أكثر.