كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يعتبرها البعض “شطارة” من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في “حرق” أي منافس له في رئاسة الحكومة. وجهٌ جديد، محنّك، لم يعهده أي من عارفي الرجل. لا بل يقول من خبروه في هذه المرحلة، إنّه “أبدع” في التشاطر لدرجة أنّ مفاوضَيْه، علي حسن خليل وحسين الخليل، لم يتمكّنا من كشف أوراقه دفعة واحدة، وجارياه في “لعبة” محمد الصفدي، ومن بعدها مع بهيج طبارة وآخرها مع سمير الخطيب، علّ احداها تنجح وتأتي استشارات التأليف برئيس حكومة جديد.
أما هو فقد رمى بالبطاقات الثلاث في النيران، كي يبقي ترشيحه على قيد الحياة. معادلة باتت ثابتة، إحتاجت جولات ثلاث من “المناورات”، للتأكد أنّ الحريري يرغب بالعودة إلى السراي الحكومي، ولكن وفق شروطه، على حد ما تقول أوساط الثامن من آذار. حتى البيان المكتوب الذي سطّره رئيس حكومة تصريف الأعمال، لم يتعدّ كونه عدّة مكمّلة لمعركة تحسين الشروط التي يقودها الحريري منذ تقديم استقالته.
ولكن وفق خصومه، قد يكون رئيس “تيار المستقبل” ربح بعض الجمهور وشدّ عصب ناسه واستعاد ما خسره في السنوات الثلاث بفعل تسوية بدا فيها الحلقة الأضعف، لكنه في المقابل، ضحّى بـ”صدقيته” أمام القوى السياسية، وأمام أبناء طائفته، نتيجة سلوكه “المناور” طوال هذه الفترة.
خلاصات الخمسين يوماً
بالنتيجة، وبعد مرور أكثر من خمسين يوماً على قيام الحراك الاحتجاجي، يمكن تسجيل الخلاصات الآتية:
– تسلل الاحباط و”فيروس” أحزاب وقوى السلطة إلى شرايين الحراك الشعبي فأصابه بالوهن، إلا اذا تبرّعت السلطة وقدمت هدية من ذهب على طبق “فشلها”.
– عادت المشاورات الحكومية إلى مربعها الأول: الحريري مرشح أساسي لرئاسة الحكومة بعدما أقفلت دار الفتوى الباب أمام بقية الترشيحات المحتملة، خصوصاً إذا ما حاولت قوى الثامن من آذار تغليب خيار حكومة الأكثرية النيابية التي يشجّعها رئيس الجمهورية ميشال عون، ويحاول “حزب الله” إبعاد كأسها خشية من أي فخّ قد تخبئه. وما حصل أمام منزل النائب فيصل كرامي، وفق أوساط قوى الثامن من آذار، دليل حسيّ على أنّ هناك من يسعى لقطع الطريق على أي ترشيح سنيّ، من خارج بيت الوسط.
– على الرغم من الاتصال المباشر الذي أجراه الحريري بقصر بعبدا مساء يوم الأحد ليطلب من الرئيس عون تأجيل موعد الاستشارات النيابية، ولينسف بالتالي كل الحملة التي خيضت بوجه رئيس الجمهورية تحت عنوان تجاوز الدستور بسبب عدم تحديد موعد للاستشارات، فإنّ العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط في أسوأ حالاتها، كما يقول المطلعون على العلاقة، بسبب انزعاج رئيس الجمهورية من سلوك رئيس حكومة تصريف الأعمال.
ويتردّد أنّ رئيس الجمهورية أبلغ زواره يوم الجمعة أنّ سيناريو انسحاب سمير الخطيب حاضر أمامه، كونه بات متيقّناً أنّ الحريري يحضّر مفاجأة ما، لكنها كانت حتى تلك اللحظة غير مكشوفة، إلى أن كشفت أحداث يوم الأحد سيناريو الانسحاب تحت وطأة الخيار الالزامي الذي فرضته دار الفتوى.
وعليه، تنحصر السيناريوات الحكومية بعد كل الإرباك الذي تعرضت له، في ثلاثة:
– تأليف حكومة من لون سياسي واحد، أي حكومة الأكثرية النيابية، وهو خيار يراه “حزب الله” بمثابة أبغض الحلال ولن يختبره إلا مكرهاً، في حال تدهورت الأمور الاقتصادية في البلد بشكل دراماتيكي واستمرت حالة المراوحة السياسية على نحو أقفل بقية الخيارات.
– إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال على نحو موقت إلى حين نضوج الوضع السياسي بشكل يسمح بتأليف حكومة تحظى بأكبر غطاء سياسي ممكن.
– العودة إلى الحريري لإعادة فتح باب التفاوض معه على شروط بقائه في السراي الحكومي تحت سقف حكومة تكنو- سياسية. وهنا يعرف من تابعوا عن كثب جولات التفاوض مع رئيس “تيار المستقبل” أنّ شرطه الأبرز هو خروج كل الوجوه الاستفزازية من الحكومة، قاصداً بشكل خاص رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. وهنا بيت الأزمة الحكومية.
رئيس حكومة تصريف الأعمال يستعين بما يعتبرها ممانعة خارجية ليحول دون عودة باسيل إلى الحكومة، فيما الأخير يربط عودة الحريري بعودته وفق قاعدة “معاً في الحكومة ومعاً خارجها”. ويعتقد رئيس حكومة تصريف الأعمال أنّ “حزب الله” قادر على لعب دور داعم له انطلاقاً من الحاجة لوجوده على رأس الحكومة.
“حزب الله” ومعضلة باسيل
يقول المطّلعون على موقف “حزب الله” إن الأخير لم ولن يمارس الضغط على حلفائه للقيام بأي خطوة غير مقنعة بالنسبة إليهم. ولذا لن يطلب من باسيل الخروج من الحكومة إذا كان يرفض القيام بذلك، كما لم يطلب أبداً من رئيس الجمهورية اقناع رئيس “التيار الوطني الحر” بهذه الخطوة. جلّ ما في الأمر أنّ “الحزب” أبلغ رئيس الجمهورية خلال مرحلة التفاوض مع الحريري بفحوى شروط الأخير، من باب التشاور معه لا أكثر. وبالتالي إذا تمكن الحريري من اقناع عون أو باسيل بالبقاء خارج الحكومة، فلن تقف الضاحية الجنوبية بوجه الاتفاق، أما غير ذلك، فليس موضع نقاش. قاعدة رسمت منذ بداية المشاورات، ولا تزال سارية المفعول.
أما بشأن خشية الحريري من العودة إلى زمام السلطة كي لا يواجه الانفجار المالي، فيؤكد المطّلعون على موقف “حزب الله” أنّ هذه الخشية غير موجودة في حسابات الحريري، أقله في الوقت الراهن، وكل ما يفعله حالياً هو لتحسين موقعه التفاوضي وتعديل موازين القوى داخل الحكومة. وهو على دراية تامة أنّ العديد من الدول الغربية الفاعلة أبلغت المسؤولين اللبنانيين، أنّ هناك حرصاً دولياً على الوضع اللبناني وليس هناك رغبة في السماح بحصول الانهيار المالي، وقد رصد دعم مالي بحوالى خمسة مليارات ينتظر تأليف الحكومة، برئاسة الحريري أو برئاسة غيره، شرط أن تتبنى برنامجاً اصلاحياً.
إنتهى يوم أمس من دون أي تطور حكومي، وينتظر أن تستعيد المشاورات عافيتها خلال الساعات المقبلة.