كتب أسعد بشارة في “الجمهورية”:
على الرغم من أنّ الرئيس ميشال عون خسر جولة إضافية بعزوف المرشح النظري سمير الخطيب عن متابعة الطريق الى السراي، تُبدي أوساط «التيار الوطني الحر» اطمئناناً غير مفهوم الى مسار الأيام السبعة التي تفصل عن جولة الاستشارات النيابية الثانية بعد إخفاق محاولة تكليف الخطيب، ومن قبلها محاولة تكليف كل من الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة.
إلام يعود هذا الاطمئنان؟ توجز أوساط «التيار» الموقف من الأزمة ومن الرئيس سعد الحريري، بالآتي:
أولاً: أدى الرئيس سعد الحريري من وجهة نظر «التيار» ورئيس الجمهورية دوراً سلبياً بعد استقالته، حيث أطلق العنان للتظاهرات في الشارع، كما للتظاهرات السياسية التَعبوية، وأهمها التي جَرت على خطين: الأولى تمثّلت في حركة رؤساء الحكومة السابقين الذين أصدروا مواقفهم بموافقة الحريري وبتواطؤ منه، لإضعاف رئيس الجمهورية وتصوير أنه يخالف الدستور. ولم يكتفِ الحريري بإعطاء اشارة الانطلاق لكل من الرؤساء فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام لشَنّ هذه الحملة، بل اعتقد أنه يمكن ترجمتها بتشكيل الحكومة، وهذا وهم كبير، لأنّ الحريري لو تصرّف بمنطق الحريص على تشكيل الحكومة، لكان منع إصدار هذه البيانات، وهو قادر على ذلك، على الأقل بما يختصّ بـ«مَونته» على سلام والسنيورة، لكنه ذهب في اتجاه معاكس، ما اضطرّ الرئيس عون الى الردّ بنفسه. أمّا الثانية فتمثلت بدار الفتوى التي تماهَت الى حد الذوبان مع الحريري، مكرّسة إيّاه المرشح الوحيد الأقوى في الطائفة السنية.
ثانياً: إنّ مسلسل محرقة المرشحين لتولّي الحكومة لا يمكن أن يستمر الى ما شاء الله، فالاستشارات المقبلة تشكّل الفرصة الأخيرة للرئيس الحريري كي يقرر ماذا يريد، وإلّا لن يبقى أي طرف وأوّلهم «حزب الله» على تمسّكه ببقائه في السراي، وهذه المرة لن يكون أي مرشح قابلاً للحرق، مهما استعملت بوجهه أدوات التهويل، فالأكثرية جاهزة لاختيار اسم جديد، فور نَفض اليد من دلع الحريري، وشروطه التعجيزية.
ثالثاً: أمام الحريري عرض وحيد للتفاوض هو العرض الذي قدّم له منذ البداية، اي اختيار 6 وزراء يمثّلون القوى السياسية، على أن يتم اختيار الباقي من التكنوقراط بتزكية من القوى المشاركة في الحكومة، أمّا شرط عدم توزير الوزير جبران باسيل فهو شرط ساقط حكماً، لأنّ باسيل هو من يقرّر اذا ما كان سيدخل التركيبة الوزارية أم سيبقى خارجاً، خصوصاً إذا كان الحريري سيشكّل الحكومة، وهذا أمر يبتّ في الوقت المناسب وليس خاضعاً للشروط المسبقة.
رابعاً: على الحريري ان لا ينسى أنّ توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية هو المعبر الاجباري لولادتها، حتى لو قبل بالتكليف وناوَر أو نقض التعهدات، فلا حكومة سترى النور إلّا بتوقيع عون، وهذا موقف ثابت لا يتدخّل فيه أحد لا «حزب الله» ولا غيره من الحلفاء.
خامساً: تعود الأوساط الى الوراء كثيراً، فتلمّح الى أنّ الحريري يحاول بفِعل الحاجة الى استمراره في ترؤس الحكومة، تعويض خسائره السياسية في لبنان، والخسائر الناتجة من فشل رهاناته في سوريا والمنطقة، فتقول إنّ هذه المحاولة لن تنجح، لأنّ عون يرفض أن يدفع من كيس عهده ثمن محاولة كهذه، فتعويض الخسائر السياسية «لا يكون من حسابنا»، ولا يكون بوَهم القراءة الخاطئة لموازين القوى والتوازنات، فالخطأ في القراءة يقود الى الخيبة في النتائج، والى المزيد من هدر الوقت الذي يحتاج إليه البلد لوقف الانهيار والعودة الى مسار الانقاذ المالي والاقتصادي، والاستقرار السياسي، وهو شرط لأيّ تفاهم.