IMLebanon

قطاع “الذهب” ذَهب.. تجّار العقارات في الشمال على طريق الإفلاس

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

دخل قطاع بيع العقارات والمباني منعطفاً خطيراً ومن المؤكد أن استمرار الأوضاع بهذا الإنحدار سيدفع القطاع إلى نهاية محتّمة، بعدما كان يُعتبر في فترة من الفترات “الذهب اللبناني”، فمن أراد تجارة رابحة ومشاريع مربحة كان يلجأ إلى بناء المشاريع السكنية وبيعها.

ما كان يحصل قبل سنوات وتحديداً في قطاع بيع العقارات والأبنية الذي يشهد تراجعاً كبيراً منذ ثلاث سنوات تقريباً، لا يوازي حجم الكارثة الحقيقية في الفترة الحالية. ويؤكد تجّار العقارات في مناطق الشمال أن أسعار البيع هبطت إلى ما دون النصف فالشقة التي كانت تُباع بمئة ألف دولار أصبحت اليوم معروضة بين 50 و 60 ألف دولار ولا من راغب.

ما يحصل في هذه الآونة ومع التلاعب والتغيّر الحاصلين بسعر صرف الدولار منذ بضعة أشهر، أدّى إلى كارثة حقيقية بهذا القطاع، ويقول العاملون فيه “قطاعنا بحالة موت سريري”.

واستطلاع أوضاع المقاولين وتجّار العقارات من عكّار إلى المنية وطرابلس والكورة وزغرتا وكل مناطق الشمال من دون استثناء، يؤكد أنّ “جميعهم أصبحوا في النفق المُظلم”، وهناك عائلات وأشخاص تعتاش من هذا القطاع بشكل كلّي.

ولدى سؤالنا عن أوضاع العقارات (أراضٍ ومبانٍ) بيعاً وإيجاراً في عكّار كان الجواب من كل التجّار الذين سألناهم “الوضع صفر”. وقال مالك عدد من المباني في عكّار والمقاول فواز مهنا لـ”نداء الوطن”: “بكل أسف، هذا القطاع قد مات. في هذا العهد السياسي كل البلد يموت (ما رح توقف على قطاع العقارات). كان القطاع قبل هذه الأزمة يكابد وكنا نجهد لأجل البقاء على قيد الحياة أما الآن فهذا القطاع قد مات. عندي عشرات الشقق ولم أبع أياً منها منذ أكثر من سنة والآتي ليس أفضل بل أصعب”.

في مدينة المنية الشمالية، والتي شهِدت طفرة في المباني الجديدة وعالم العقارات، خصوصاً في فترة العام 2010 وما بعده وشهدت عصرها الذهبي ما بين العامين 2014 و2016، حيث ناهز سعر المتر المبني قرابة الـ 1000 دولار، وقصدها الكثير من الطرابلسيين للسكن في شقق ومبانٍ جديدة كما اشترى آخرون عقارات وأراضي، ناهيك عن أبناء المنية، فإن سوق العقارات فيها قد دخل عالم الأزمة المالية والإقتصادية الصعبة التي لا أفق لها كما يبدو.

ويقول مالك عدد من المباني الحديثة في المنية عبدالله علم الدين لـ”نداء الوطن”: “سوق العقارات يشهد أزمة غير مسبوقة خصوصاً في الآونة الأخيرة مع توقف قروض الإسكان التي كانت مصدراً مالياً أساسياً للشباب والباحثين عن شراء شقق وعقارات. ثم جاءت أزمة الدولار الأخيرة لتتفاقم الأزمة بشكل كبير ما أدّى إلى تدنٍّ كبير في أسعار الشقق والوحدات السكنية حيث تدنّى سعر المتر المربع إلى ما دون 350 دولاراً للمتر الواحد وهذا بسبب التراكم الحاصل من الـ 2016 حتى الآن لا سيما ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين وأيضًا وبشكل أساسي أزمة قروض الإسكان”.

الكورة وطرابلس

عقارات طرابلس ومبانيها في الأزمة نفسها أيضاً، وبالإنتقال إلى قضاء الكورة الشمالي والذي شهد فورة عمرانية ومشاريع سكنية ضخمة بالمئات، لا سيما في بلدات وقرى (رأسمسقا – النخلة – برسا …) وغيرها من قرى القضاء، وشكّل متنفساً لدى الكثير من الطرابلسيين الهاربين من ضوضاء المدينة وصخبها، كما شكّل كذلك لأبناء الأقضية الأخرى حاجة سكنية لقربه من مدينة طرابلس وجامعاتها ومؤسساتها، فإنّه يعيش الأزمة كباقي المناطق الشمالية. يشرح الدكتور يوشع خضر لـ”نداء الوطن”: “لا شك أن هذا القطاع اليوم مدمّر بالكامل. أزمة قروض الإسكان أثّرت بشكل كبير عليه بالأساس، علمًا أن قطاع العقارات هو عصب أساسي في الإقتصاد اللبناني، وهو يشغّل أعدادًا كبيرة من اليد العاملة، ويؤمن ديمومة وصيرورة للدورة الإقتصادية بكاملها في البلد”.أضاف “مع تفاقم الأزمة المالية أخيراً، أصبحت إمكانية تسديد الدفعات الشهرية من قِبل من اشترى شققًا أو مباني أمراً صعباً، وهناك زبائن يأتون لشراء شقق بالشيك البنكي لكننا كأصحاب شقق لا يمكننا البيع بالشيك المصرفي، فمن يدري هل نستطيع تحصيل هذا الشيك أم لا؟”، وتابع: “إن الدورة الإقتصادية بكاملها في هذا القطاع معطّلة بالكامل. وإذا ما أضفنا أن هناك تجّاراً عليهم التزامات مالية للبنوك وهناك صعوبات بعدم القدرة على التسديد لأنّ قطاع البيع في حالة جمود كلّي، فإن هذا الأمر أيضاً سيدفع بالبنوك لوضع يدها على هذه المباني والعقارات، وهذه أزمة إضافية ستضاف إلى كمّ الأزمات التي يرزح تحتها هذا القطاع، ولا شك أنها ستؤدي إلى إفلاس الكثير من التجّار العاملين في هذا القطاع”.

وتنسحب الأزمة على سوق الإيجارات أيضاً. مستأجرون غير قادرين على التسديد بالدولار والتسعيرة الجديدة، وتجّار يرفضون التأجير بهكذا أوضاع. إن الإنهيار الإقتصادي الذي يعيشه البلد يؤدي بكل القطاعات الإقتصادية إلى الإنهيار الواحد تلو الآخر… كان الله في عون هذا البلد.