كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
أحدثت تساقط الأمطار، الاثنين، «واقعة» جديدة ستُضاف إلى سجلات «الدولة» المترهلة. لم يعد النقاش مرتبطا بالإهمال الذي يجعل البلاد تغرق بـ«شتوة». الوضع المأساوي «الموسمي» تفاقم لدرجة بات يشكل تهديدا مباشرا لحياة الناس، في ظل غياب الاستراتيجيات الوطنية الطارئة وتغييب الخطط التنموية. في وقت أكد مهندسون مختصون أن من علقوا في نفق خلدة – الاوزاعي أمس «نجوا» من سيناريو خطير تمثل بتعرضهم للمياه المُكهربة، «بشرّ» وزير الأشغال العامة والنقل بمزيد من التقشف ما يعني اننا سنكون على موعد دائم مع مشاهد أمس كلما أمطرت السماء!
كان من المُمكن أن تكون تداعيات غرق نفق خلدة – الأوزاعي بالسيول، أمس، أكثر «كارثية»! مهندسون مطلعون يؤكدون أن خطراً كبيراً كان يحدق بالعالقين في سياراتهم في النفق. فعلى رغم فداحة المشهد المهين، إلا أنه بقي أكثر «أمناً» من الأسوأ الذي كان يتربّص بهم.
ووفق المعلومات، فإنّ عطلاً كهربائياً طرأ على المضخات الأربع في النفق بعدما ارتفع منسوب المياه بشكل قياسي داخله، وأدّى إلى احتجاز المئات ساعات طويلة. ووفق معلومات المهندسين، «فإنّ خطراً جدياً كان محدقاً بالعالقين من إمكان تعرّضهم للمياه المُكهربة نتيجة العطل الذي بقي حتى ساعات الليل الأولى غير مفهوم».
إذاً، لم يعد النقاش مرتبطاً بـ«نكبة» الشتاء «المعتادة» التي تُصيب المُقيمين في البلد الذي احتلّ المرتبة 113 من بين 137 لناحية جاهزية بناه التحتية وفق تقرير التنافسية العالمية لعام 2018، بل بات يرتبط بتعريضهم بشكل مباشر لخطر الموت!
ما هي الخطة الطارئة التي تعتمدها الحكومة في مثل هذه الحالات؟ وما هي الإجراءات الواجب اتباعها لحماية المواطنين من فقدان السيطرة على «الطبيعة» في حال تمّ التسليم بعامل المُتساقطات «غير الإعتيادي» الذي تسلّح به عدد من المسؤولين كسبب رئيسي لمشاهد «الفضيحة»؟
مُقارنةً مع تصريحات وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس بشأن «خروج» منطقة الأوزاعي عن «اختصاص» وزارة الأشغال العامة والنقل، فضلاً عن «عدم استيعاب البنى التحتية كمية الأمطار»، تبدو الأسئلة عن الخطط الإستراتيجية والطوارئ «ترفاً» في بلد لم يعقد إجتماعاً موحدا بين الجهات المعنية لتُقدّم توضيحاً او إعتذاراً عما حصل وعما كاد أن يحصل.
في المجمل، تصدّرت منطقة الأوزاعي المشهد بعدما غرقت شوارعها بشكل شبه كامل واجتاحت المياه المختلطة بالمياه الآسنة غالبية البيوت فيها. والأمر نفسه جرى في منطقتي السلطان ابراهيم والرحاب التابعتين عقارياً لبلدية الغبيري.
وفق رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد ضرغام، فإن حجم المُتساقطات الكثيف مصحوباً بالأوساخ والنفايات أدّى تلقائيا إلى تسكير عبّارات التصريف، لافتاً إلى مشاكل «مُزمنة» تعاني منها منطقة الرحاب، حيث ترمى مخلفات سوقي اللحامين والخضار في منطقة شاتيلا في مجاري التصريف، كما يعمد البعض إلى اغلاق «الريغارات» بالسجاد بهدف تغطية الروائح المنبعثة منها! ضرغام أكد أن المسؤولية مُشتركة بين البلديات والوزارات والمواطنين أنفسهم، مُلمحاً إلى مشاكل جذرية لا تقوى عليها البلديات، وتحتاج إلى سياسات وخطط حكومية لأنها تتطلب دراسات عن تطور أعداد السكان وتفاقم الإحتياجات.
يتوافق ذلك وما تقوله مصادر مُطلعة بشأن منطقة الأوزاعي، «المنكوبة» في الأساس، «حيث خط تصريف المياه الى البحر الوحيد شُيّدت عليه أبنية مخالفة، ما يؤثر على مسار التصريف، ويجعل من البديهي مرور المياه في بيوت القاطنين فوق الخط مُباشرةً»، ناهيك عن «إهمال ممنهج من قبل الدولة أدى إلى تفاقم الوضع في المنطقة وإزديادها بؤساً».
الجدير ذكره أن مشروع خط تصريف مياه الأمطار في منطقة الرحاب والسلطان ابراهيم في عهدة الحكومة منذ العام 2014 ولم يتم البت فيه، فضلا عن مشروع إعادة تأهيل منطقة الأوزاعي المُقدّم من إتحاد بلديات الضاحية والذي يبيت في أدراج الحكومة منذ عام 2017 .
وفق مصادر في بلدية الغبيري، فإن البلديات عاجزة وحدها عن تحمّل المسؤولية، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالأتوسترادات والطرق الرئيسية التي تقع حكماً ضمن صلاحية وزارة الأشغال. المُفارقة أن كلام فنيانوس عن عدم اختصاص الوزارة، سبقه تصريح مماثل عما جرى في الناعمة الخميس الفائت، إذ أعلن أيضا «تنصّل» الوزارة، علماً أنّ «الوزارة مسؤولة عن الطرق الرئيسية والمناطق المحيطة بالطرق الدولية».
وإلى جانب تغييب السياسات الوطنية والإهمال المتعمّد للبنى التحتية والفوضى المزمنة، يدخل عامل جديد ليفاقم الأزمة وهو المرتبط بنفوذ أصحاب المشاريع السياحية (سبق أن تسبب مشروع الـ«إيدن باي» بفيضانات في منطقة الرملة البيضا). ووفق معلومات «الأخبار»، فإن أحد أسباب سجن الناس على طريق الجنوب، الخميس الفائت، هو إقدام شركة تُنفّذ مشروعا سياحياً في شاطئ الناعمة على تغيير مجرى تصريف المياه!
أمس، ركّز فنيانوس على مسألة توفّر الإعتمادات المخصصة للأشغال «ولكن لا يمكن صرفها بسبب الأزمة الحالية»، مشيراً إلى المزيد من التقّشف. علماً أن ما يحصده المواطنون الآن من اهتراء في البنى التحتية ليس إلا نتيجة لـ «تقشّف» الدولة أساسا في إنفاقها على الطرقات (أنفقت 3.5 مليارات دولار على الطرقات على مدى 25 عاما مقابل 77 مليار دولار لخدمة الدين العام). فما الذي يمكن أن يعنيه «المزيد من التقشّف»؟
كادت السيول أمس أن تودي بحياة إمرأة في منطقة الأوزاعي بعدما جرفتها وسحقت أضلاعها، فيما كاد خمسة أطفال احتجزوا في السيارات أن يختنقوا. هذا المشهدان وغيرهما يُمكن أن يعطيا فكرة عما سيؤول اليه المزيد من التقشف، فيما ينبئ المضي في خيار الإهمال بسيناريو المياه المكهربة الذي لم يحدث… بعد.
السيول في المطار… برعاية الـ«ميدل إيست»
تسللت السيول، أمس، إلى صالتي الوصول والمغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي، وأدّى تجمع مياه الشتاء على الطريق المخصصة للسيارات أمام قاعة الوصول الخارجية إلى إعاقة حركة السيارات لبعض الوقت. في هذه المنطقة تحديداً، الشركة المتعهدة لصيانة البنية التحتية، هي شركة «ميس» (MEAS)، المملوكة بالكامل لشركة طيران الشرق الاوسط. و«ميس» أيضاً مسؤولة عن أشغال الصيانة في الانفاق الممتدة من الـ«كوستا برافا» جنوباً إلى الأوزاعي شمالاً، وتولى تلزيمها هذه الأشغال مجلسُ الانماء والإعمار.
وغير بعيد عن المطار، طافت الطرق في حي السلم وحي الليلكي، وغمرت الأمطار محيط كنيسة مار مخايل – الشياح. كما تعرضّت شوارع الجميزة لـ «غزو» من السيول، وكذلك عدد من شوارع العاصمة.