كتب رمال جوني في صحيفة “نداء الوطن”:
ينشغل حراك النبطية بمدّ يد العون للفقراء، فثورته خرجت من رحم الفقر، لذلك يجهد شبان الحراك في جمع التبرعات، فخط الفقر تصاعدي، وهذا ما نلمسه من تزايد “حملات التكافل الاجتماعي”، ومبادرات “من خي لخيه” التي تنتشر في قرى النبطية.
وأغلب المياومين، توقفت أعمالهم مع توقف قطاع البناء بفعل حجب قروض الاسكان عن الشبان. ويقول عباس الذي يعاني “وجع” البطالة منذ سنتين، لـ”نداء الوطن”: “للاسف، الأزمة تشتد، الأعمال كلها متوقفة، ما حدا بدو عمال ولو بـ 10 آلاف ليرة”.
يواجه عباس واقعه “بحرقة”، هو أب لأربعة أولاد أصغرهم في الخامسة من عمره. “فمتطلبات الحياة كبيرة، لو كان لدينا معامل أو زراعة نشطة أو أي شيء انتاجي، أقله كنا واجهنا الازمة بأقل حدية”، وفق عباس، الذي لم تفارقه دمعته خلال الحديث عن معاناته، يتكئ على بعض المساعدات التي تصله من حصص تموينية ومازوت، لكنه يسأل الزعماء: “لماذا تحاربوننا بلقمة عيشنا، كل العالم تؤمن معاشات لمواطنيها، إلا نحن نضطر لنشحذ”.
ومن رحم الأزمة خرجت مبادرة عبد بيطار، شاب شارك في الثورة منذ يومها الاول، آلمه وجع الناس، فتح محمصته ووضع بضاعته من عدس، حمص، أرز وغيرها في خدمة الفقراء، ويقول لـ”نداء الوطن”: “أنا ابن هذه البيئة وأردت مساعدة الناس ولو بالقليل، رأيت وجعهم، من خلال زياراتي لمنازلهم، رقعة الفقر باتت متسعة جداً، طاول العوز كل الناس”. يخبرنا عن الحجة السبعينية التي قصدته للتزود بالعدس والفول والارز، “بكت بحرقة لأن ليس بحوزتها ما تشتري به ربطة خبز”.
لا تتوقف مبادرة بيطار، الذي اطلقها عبر منصات التواصل الاجتماعي “ما معك تعا خود يلي محتاجه”، عند المونة بل يُتبعها بتوزيع الملابس ايضاً، وهو يلتقي مع مبادرة حراك النبطية، وبلدية النبطية لدعم الاسر الفقيرة.
يوجه الجميع أصابع الاتهام الى مصرف لبنان، فهو من فاقم أزمة ديون الناس وحجب مالهم في سجن المصارف. داخل المصارف عشرات المواطنين يقفون “بالطابور”، الكل يريد “زيارة” ماله المسجون. أحد المسنين يستجدي الموظف لسحب أمواله ليعيش بكرامة، وسيدة وصل بها الحال “لتقبّل” يد أحدهم، لتتمكن من سحب بعض “الفرنكات” كما وصفتها، فيما تقف شابة في الطابور، تنتظر دورها لسحب أموالها وتأسيس مشروع لها بعد أن خسرت عملها.
العودة الى الزراعة
حياتياً، تتعالى صرخات الجوع من خلف أبواب المنازل في منطقة النبطية، “الوضع ما عاد يحمل”، فضّل ابو علي العودة إلى ارضه، هرباً من الغلاء، بادر الى زراعة حقله بشتى انواع الخضار الشتوية، ويتمسك بمقولة “عليك أن تتعلم قواعد اللعبة، لتعيش”، يؤمن بفكرة “الارض سلاح فتاك لمواجهة حرب الاقتصاد”.
وابو علي من رعيل السبعينات ونيف، عايش الحروب الاهلية، وحرب اقتصاد التسعينات، يقول: “وصل بنا الحال لفقدان رغيف الخبز آنذاك، حتى اللحم انقطعنا عنه، كان وقتاً عصيباً، لكننا تغلبنا عليه بزراعة أرضنا، إضافة الى ارتكازنا على خبز الصاج والمونة البيتية”.
يتحسّر ابو علي لما آل اليه حال البلد، “وصلنا لوقت حتى الارض لم تعد موجودة، إحتلتها الكتل الاسمنتية، من يملك شبر أرض اليوم بيته بالقلعة”، على حد قوله.
الى ذلك تتوسع رقعة “الشحاذين” الذين باتوا يحتلون الطرقات. خلف موقد النار يتحلق عدد من الشبان أمام محلهم لتصليح السيارات، ينتظرون زبوناً عابراً، ولكن خاب انتظارهم، إذ إن انقطاع السيولة من بين أيدي الناس انعكس سلباً على كل القطاعات، فبعد فورة الاقتصاد الكبرى التي شهدتها المنطقة بسبب ازدهار قطاع البناء الذي حرّك معه كل القطاعات، يشهد سوق العقارات انكماشاً، بل توقف منذ توقف تدفق أموال الاسكان.