كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
إذا صدقت توقّعات الأرصاد الجوية، فإنّ لبنان على موعد، غداً، مع منخفضٍ جويّ ترافقه سيول وفيضانات. أمس، سُئل رئيس لجنة الأشغال العامة النائب نزيه نجم عمّا إذا كان سيناريو «الغرق» الذي حصل أول من أمس، سيتكرّر أم لا، فأجاب: «إذا لحقوا الشباب بهالـ 48 ساعة ينظفوا كل المجاري بكون منيح، وإذا لاء ما في حل»، مُشيراً إلى عدم رغبته في «الكذب». و«الشباب»، هم «جماعة البلديات» الذي كان تركيز نجم عليهم كطرف أساسي في تحمّل المسؤوليات.
كلام نجم جاء خلال مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماع للجنة، أعلن خلاله الادعاء على المتعهّد الملتزم صيانة نفق خلدة ــــ الأوزاعي، وهي شركة «MEAS» التي يرأس مجلس إدارتها النائب السابق في تيار المستقبل غازي يوسف، والمملوكة من شركة طيران الشرق الأوسط، والمُلتزمة بدورها أعمال صيانة البنى التحتية في منطقة المطار و«جوارها».
لم يُسمِّ نجم المتعهد، وألحق بُشرى الادعاء بـ«جميع المُتسببين بما حصل بالأمس على الطرقات والأنفاق»، معتبراً أن الادعاء على مجهول، «يعني الادعاء على جميع من يظهره التحقيق».
ما لم يقله رئيس اللجنة، إنه قبل خمس سنوات ادّعى النائب العام المالي علي ابراهيم على الشركة المذكورة، «إلا أن التحقيقات لم تستتبع باتخاذ إجراءات أو تدابير قضائية تحاسب المتورطين وتجرّمهم»، وفق ما صرّح ابراهيم نفسه سابقاً لـ «الأخبار». فكيف يكون الإعلان عن اللجوء الى القضاء مُقنعاً لمن ينتظر موقفاً حاسماً يشبه «نبرة» نجم الذي اعترف بنفسه بـ«مبيت» ملف «الإيدن باي» في أدراج القضاء منذ نحو سنة؟!
في اتصال مع «الأخبار»، قال نجم «إننا كنواب ليس لنا حق أن نسبق القضاء»، مُركّزاً على الجلسة «الصاخبة» التي «لم يبقَ فيها شيء إلا وقلناه لأننا كنا نطالب بحقوقنا كمواطنين وليس كمسؤولين فقط».
ولكن، وفق مصادر حقوقية، فإن لجنة الأشغال النيابية تستطيع أن تقدم طلباً للهيئة العامة لمجلس النواب لفتح لجنة تحقيق نيابية يكون لها صلاحيات قاضي التحقيق، «وتحال نتائجها إلى القضاء».
الانطلاق من هذه النُقطة يأتي في سياق الإشارة إلى إمكانية بذل النواب جهوداً «تُحرج» القضاء عبر تكاتف الجهود في التحقيقات والضمانة بعدم تسييسها وتغيير مسارها، «إلا أن أحداً يريد الاقتصاص من المتورطين»، وفق ما قال مصدر من داخل اللجنة، وذلك «لأن المتورطين يدورون في حلقة متكاملة»!
ادّعى النائب العام المالي على الشركة المتعهّدة نفسها قبل خمس سنوات من دون اتخاذ أيّ إجراءات
فما الذي أراد قوله نجم إذاً؟ أثناء مؤتمره، وعلى رغم محاولته «الشمولية» لتحميل مختلف الإدارات والمؤسسات المسؤولية، ركّز نجم على مسؤولية البلديات عبر الطلب إليها مباشرة إزالة الأنقاض والمخلفات التي تسببت بعرقلة تصريف المياه، كما طالب المؤسسات بإيداع القضاء كل التلزيمات والتعهدات «وملفات الفساد بشكل عام»، مُشيراً إلى أن معالجة الأزمة «تتطلّب إعادة دراسة البنى التحتية بشكل يأخذ في الاعتبار التطور السكاني وغيره».
بهذا المعنى، بدا نجم يناقض نفسه، فهو من جهة يريد تحميل البلديات المسؤولية وحدها، فيما يُقرّ بأهمية السياسات الوطنية التي تتحمل مسؤوليتها السلطتان التشريعية والتنفيذية.
وعلمت «الأخبار» أن نقاشاً حاداً دار بين نجم وعدد من المسؤولين في البلديات يتعلّق بأولوية تسديد الدولة المستحقات المتراكمة للبلديات كي تتمكن من العمل من جهة، وبتقاعس الدولة عن القيام بدورها من جهة أخرى. وقد سألت مصادر بلدية في هذا الصدد: «هل المطلوب من البلديات إزالة المخالفات في الأوزاعي، فيما تؤمن الدولة الغطاء للمخالفات؟»، مُشيرةً إلى أن المسؤولية تقع على الجميع ولا يجوز تحميلها للبلديات وحدها «فهناك الكثير من المشاريع الإنمائية التي كنا نريد تنفيذها، وكنا نصطدم بعوائق تشريعية تضاف الى العوائق المادية».
«حرصنا على حضور وزير العدل معنا»، كرّر نجم كلامه في إشارة ضمنية تحمل إقراراً بتقاعس القضاء. هذا الأمر يعني أن رئيس لجنة الأشغال «زفّ» الى اللبنانيين خبرَين: الأول أنه لن يضمن تكرار الحادثة، والثانية أن ادعاءه على المتعهد قد لا يأتي بنتيجة. لم يَعِد نائب الأمة، بالرغم من نبرته الحماسية، إلا بالمزيد من «الغرق».