كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في محاولة أخيرة زار الوزير السابق غطاس خوري القصر الجمهوري الخميس موفداً من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري متمنياً على رئيس الجمهورية ميشال عون لو يشارك “التيار الوطني الحر” في الحكومة فأجابه عون: تريدون باسيل الذي هو رئيس أكبر تكتل نيابي خارج الحكومة، بينما تتم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة من دار الفتوى؟ مباركة لكم الحكومة ونحن سنكون خارجها.
كل العيون شاخصة باتجاه ما سيقوله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اليوم بخصوص اللغط الذي شهدته تطورات الساعات الأخيرة. وإعلان موقفه بخصوص الحكومة، والعلاقة مع “الوطني الحر”. واضح أن هذه العلاقة من وجهة نظر باسيل قد تعرضت لانتكاسة في التكتيك ربما وليس في الاستراتيجية.
أعاد رئيس “الوطني الحر” أمس رمي الكرة من الزاوية ذاتها التى لجأ اليها الحريري بالتسديد على الخصوم والحلفاء وبالزهد في المشاركة بالحكومة التى يطمح إليها الحريري لا بل إن باسيل ذهب أبعد وإلى حد التماهي مع الحراك الشعبي وإعلانه عن استعداده للتنازل عن مقاعد تياره لمصلحته.
موقف سيحرج رئيس حكومة تصريف الاعمال حكماً والذي سيتحمل تبعات المرحلة الماضية والمقبلة منفرداً بما فيه محاربة الفساد والانهيار المالي.
ولولا وصف باسيل ما حصل معه وما يحصل بأنه “إغتيال سياسي” له لكان الأمر وضع في خانة التنافس المنطقي الذي يحصل في مواسم تشكيل الحكومات، لكن باسيل أعلنها حرباً في مواجهة الحريري ولو خرج عن تفاهمه مع الثنائي الشيعي وفضل المعارضة وحجته في ذلك تقول: “اذا اصرّ رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري على “أنا أو لا أحد” وأصرّ “حزب الله” و”أمل” على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنو – سياسية برئاسة الحريري، فنحن لا يهمّنا أن نشارك بهكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً”.
أعلن باسيل المعارضة على الحكومة العتيدة، فغدا تقاذف المسؤوليات عما آلت إليه البلاد كأنه محصور بين الحليفين اللدودين التيارين البرتقالي والأزرق.
جملة مواقف تلفّظ بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال حملت بين خفايا سطورها بعض العتب على الحلفاء ما يعبر عن وجود تباين في النظرة إلى الرؤية حول الحكومة وهو ما سيستوجب حكما رداً من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في كلمته اليوم.
واضح أن باسيل خلط الشخصي بالعام. يريد أن يخوض معركته في مواجهة الحريري متمنياً لو يساعده الحلفاء على إخراجه من الحكومة بدل أن يكون مرشحهم الوحيد. وحين يقول إن باب الحل مفتوح وحكومة تكنوقراط من رئيسها إلى أعضائها وإلا البقاء خارج الحكومة، فهذا يعني أن لديه مرشحاً آخر يريد أن يفرضه بديلاً عن الحريري.
في مكان ما حشر باسيل نفسه وحلفاءه في خيار الخروج من الحكومة. ولو أن الأمر لا يزال ملتبساً بعض الشيء، إذ كيف لرئيس تيار سياسي ممثل في أعلى سلطة دستورية في البلاد (موقع رئيس الجمهورية) ورئيس أكبر تكتل نيابي وله العدد الأكبر من الوزراء في الحكومة أن يختار المعارضة؟
خطا باسيل خطوة لم تخل من المقامرة السياسية وفق تقدير بعض حلفائه. كان يرغب بحكومة من لون سياسي واحد لكن “حزب الله” عارض الفكرة من أساسها، معتبراً أن هذه الحكومة في حال أعلنت ستكون بمثابة انتحار سياسي وفي اليوم الثاني لتشكيلها قد تعلن أميركا وقف التعامل مع المصارف في لبنان فيتحمل هذا الفريق مسؤولية انهيار البلاد مالياً. ما فعله باسيل بحسبهم أنه قام بفعل إسقاط الشخصي على موضوع استراتيجي وتقديم قراءة سياسية غير موفقة. في خفايا ما قاله لم يخفِ العتب واللوم وتحميل المسؤولية لحليفيه اللذين ارتضيا التضحية به والتمسك بالحريري لرئاسة الحكومة.
خلال اليومين الماضيين حاول الثنائي الشيعي ثني باسيل عن قراره. طلب منه “حزب الله” كما رئيس مجلس النواب نبيه بري إرجاء الاعلان عن خطوته. خلال زيارته نبّهه بري إلى أهمية الوجود في الحكومة في هذه المرحلة البالغة الحساسية لكنه أصر، ولو أن البعض رأى أن باسيل ترك الباب مفتوحاً أمام امكانية التفاوض فجاء إعلانه “مشكولاً” بين خيار عدم المشاركة أو المشاركة بشروط.
كان توجُّه باسيل الذهاب بعيداً في انتقاد “الحلفاء” على عدم سيرهم بحكومة اللون الواحد التي يعتبرها حقهم الديمقراطي وهو ألمح إليها في كلامه بالأمس وذهب الى حد تحميلهم المسؤولية على قاعدة اذا كنتم تستبشرون بالحريري فهو سيفشل حكماً. وكلام باسيل مصدره قناعة لدى “الوطني الحر” تقول إن الحريري غير مؤهل لترؤس الحكومة بدليل فشل حكوماته المتتالية، وهو منذ مجيئه إلى رئاسة الحكومة لم ينجز في الملفات المصيرية. وليس بعيداً أن يعمد “الوطني الحر” إلى تسمية فؤاد مخزومي في الاستشارات النيابية على سبيل الزكزكة بالحريري.
مصادر مطلعة على العلاقة بين التيار و”حزب الله” فضّلت عدم الذهاب بعيداً في البناء على سلبية العلاقة بينهما والتأكيد على وجود تفاهم مشترك “أكثر من أي وقت مضى”، متحدثةً عن آليات للتفاهم حول العمل الحكومي في المرحلة المقبلة وقالت إن باسيل وضع “حزب الله” في أجواء قراره منذ أسبوعين وأكثر وترك له “حزب الله” الخيار تماماً كما فعل بري. وألمحت المصادر إلى أن “حزب الله لم يحسم بعد مسألة تسمية الحريري لتشكيل الحكومة ولكنه حكماً سيمنح حكومته الثقة”.
يبقى أن قرار باسيل يعد صائباً بعدما حوصر شعبياً وسياسياً وحتى دولياً، حيث لم يعد مرغوباً ببقائه في مسؤولياته الحكومية لا أميركياً ولا أوروبياً، فبات في أمسّ الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقه السياسية وإعادة تعزيز حضوره الشعبي مسيحياً والالتفات أكثر إلى وضع تياره الداخلي.