فيما تقول معطيات كثيرة ان المشهد الحكومي “اكتملت معالمُه”، وان الصورة بعد استشارات الاثنين المقبل سترسو على “سعد الحريري رئيسا مكلّفا بحد أدنى من الاصوات مع تأليف “معلّق الى أجل غير مسمى”، تعتبر مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” ان لا شيء محسوما حتى اللحظة، متحدثة عن عناصر كثيرة ستتظهر في الساعات المقبلة، سيكون لها تأثير لا يُستهان به، على مسار الامور مطلع الاسبوع. والحال، ان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وإن بدا في مؤتمره الصحافي امس يجزم بانتقاله الى صفوف المعارضة، في موقف من شأنه “مبدئيا” ان يُسهّل التأليف، الا أنه في الواقع، كان يرفع جدارا عاليا امام عربة الحريري “التشكيلية”.
فهو رمى في وجهه ورقة “الميثاقية”، ليقول له “نحن اكبر ممثل للمسيحيين في البلاد، ولا يمكن ان تتجاوزنا، لا في تكليفك ولا خلال التأليف”! وفي الترجمة العملية لهذا الكلام، ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه، لن يوافقا مستقبلا، على اي “تركيبة” يضعها الحريري بعد تكليفه، لا تأخذ في الاعتبار مطالبهما من حيث الاسماء والحقائب والحصص… وما لمّح اليه باسيل “مواربة”، قالته مصادر بعبدا اليوم بعباراتٍ أكثر وضوحا وصراحة، حيث نقلت اوساط صحافية عنها “الرئيس حدد موقفه من صيغة الحكومة وهو يرى أن مصلحة البلاد والتوازن هي في حكومة تكنوسياسية، واي شكل آخر للحكومة يطرحه من يكلّف، عليه أن يتفاهم بشأنه مع رئيس الجمهورية كما ينص الدستور”، مضيفة “الاستشارات في موعدها والاتصالات مكثفة وموقف الوزير باسيل أعاد خلط الأوراق وعلى هذا الأساس تعيد الكتل النيابية درس الوضع لتحدد مواقفها”. وتابعت “مواقف الأطراف ستظهر في التكليف قبل التأليف ونأمل الا يتأخر تشكيل الحكومة”. لكن ولمحاولة ايجاد “حل وسط”، اقترح باسيل على الحريري الخروج من رئاسة الحكومة، على ان يتم بعد ذلك، تشكيل حكومة اختصاصيين من رأسها الى وزرائها، مشترطا هنا ايضا، ان تسمّي القوى السياسية هؤلاء الوزراء. بعد هذه “المطالعة”، تعتبر المصادر ان رصد رد فعل الحريري على ما قاله باسيل امس واوساط بعبدا اليوم، ضروري، وهو أهمّ العناصر لاستشراف مصير الاستشارات. فبعد ما جاء في هذه المواقف من تحذيرات مبطّنة من مغبة خرق “الميثاقية” ومِن تداعياتِ سلوكٍ كهذا، على قدرته على التأليف… هل سيبقى زعيم “الازرق” مصمما على السير قدما بالتكليف، ولو كان هزيلا؟ ام انه، وانطلاقا من الارث والتاريخ اللذين يحملهما، سيرفض المس بالتوازنات المذهبية والطائفية الهشة في البلاد؟ واذا كانت هذه هي الحال، هل سيطرح في ربع الساعة الاخير، اسما جديدا، يتبناه ويدعمه لرئاسة الحكومة، ليعيد الكرة الى ملعب الفريق الآخر؟
وفيما هذه الاسئلة كلّها لا تزال تبحث عن أجوبة، موقف الثنائي الشيعي مما طرحه باسيل، محط ترقّب ايضا. جزءٌ منه سيتكشّف اليوم في الكلمة المرتقبة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مساء. وهنا، تقول ان “الثنائي” لا يزال يصر على عودة الحريري الى السراي، لاعتبارات سياسية – استراتيجية. غير انها ترجّح الا “يتخلى” عن باسيل بهذه السرعة. وعليه، من غير المستبعد ان تواصل عين التينة والضاحية مساعيهما، حتى ربع الساعة الاخير قبل الاثنين، لإيجاد صيغة توفيقية تُرضي الفريقين الازرق والبرتقالي. لكن ما يجدر التوقف عنده، هو ان لا اتفاق اصلا بين الثنائي والحريري على صيغة الحكومة العتيدة، خاصة وان الاخير متمسك بتكنوقراط “خالصة”!
في المحصّلة، اذا كُلف الحريري الاثنين، لن يتمكن من التأليف بشروطه. واذا أمّن الغطاءَ لشخصية سواه، سيتعين على الاخيرة، الاتفاق مع التيار والثنائي لتتمكّن من التأليف. وتفاهمٌ كهذا سيُغضب “الشارع” الذي يبدو ايضا، رافضا للحريري ومتمسكا بـ”كلّن يعني كلّن”.. البلاد في دوامة قاتلة لن تخرج منها الا باقتناع الجميع بالجلوس جانبا، فعليا لا شكليا، تختم المصادر.