كتبت عزة الحاج حسن في “المدن”:
لم تعد أزمة القطاع الاستشفائي محصورة بتأخر المؤسسات الضامنة الرسمية سداد مستحقات المستشفيات، المتراكمة منذ سنوات، والبالغة أكثر من 2000 مليار ليرة (نحو 1.3 مليار دولار). فالأزمة تتّسع وتتعمّق أكثر فأكثر، حتى بات تأمين المستشفيات للأدوية والمستلزمات الطبية الاساسية ودفع رواتب موظفيها عالية المخاطر.
المستشفيات الخاصة، التي تشكّل أكثر من 80 في المئة من القطاع الصحي في لبنان، تتعرّض لضغوط تدفعها إلى تقنين خدماتها الاستشفائية بشكل تدريجي. وهو ما قد يعرّض حياة الكثير من المرضى إلى الخطر. ولعل الخطر الأكبر يكمن بأن تفاقم أزمة المستشفيات يرتبط بشكل مباشر بأزمة شح الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء. ما يعني أن الأزمة الراهنة لا يمكن أن تُحل بسداد جزء من مستحقاتها على الدولة والمؤسسات الضامنة، إنما يرتبط بحل شامل للأزمة النقدية في البلد.
استمرار المراوغة
وعلى الرغم من تحذير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في وقت سابق من خطورة ما يواجهه القطاع الاستشفائي، وتهديد ذلك لـ”صحة السكان بشدة”، يستمر السياسيون بالمراوغة والمماطلة في صوغ الحلول والمباشرة بتشكيل حكومة جديدة، مع غياب كلّي للسلطة السياسية في لبنان وعدم اعترافها بالانهيار الاقتصادي.
وفي تحذير “هيومن رايتس ووتش” من أن المستشفيات قد تصبح قريباً عاجزة عن تقديم الجراحة، المنقذة للحياة، والرعاية الطبية العاجلة للمرضى، جرّاء الأزمة المالية، توضح أن الأزمة نابعة من عدم سداد الحكومة مستحقات المستشفيات العامة والخاصة، بما فيها المستحقات المتوجبة على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصناديق الصحية العسكرية. وهو ما يعرقل قدرة المستشفيات على دفع أجور عامليها وشراء اللوازم الطبية. كما أن النقص في الدولار أدى إلى تقييد استيراد السلع الحيوية ودَفَع المصارف إلى تقليص خطوط ائتمانها.
تواجه المستشفيات أزمة على أكثر من مستوى، تضاف إلى تخلف الجهات الضامنة عن سداد مستحقاتها التي بلغت 2000 مليار ليرة، إلا أن الأزمة المستجدة والمتفاقمة مؤخراً تُنذر بتراجع قدرة المستشفيات على استقبال المرضى، وعجزها عن تأمين العلاجات اللازمة. وترتبط الأزمة بنقص فادح في المستلزمات الطبية وبارتفاع تكاليفها، تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار. ويوضح نقيب المستشفيات سليمان هارون في حديثه إلى “المدن” أن العدد الأكبر من المستشفيات علّق بعض الخدمات الاستشفائية، وقلّص أعماله، وسرّح موظفين وخفض عدد الأسرة “كما أن هناك مستشفيات لم تعد تدفع الأجور كاملة. وبعضها توقّف عن تقديم العلاج الكيميائي بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والمواد اللازمة له”، مؤكداً أنه في حال استمرار الأزمة على ما هي عليه فإننا قد نشهد انهياراً للكثير من القطاعات وأولها القطاع الإستشفائي.
وتواجه المستشفيات ارتفاعاً في أسعار المستلزمات الطبية، لا سيما بعد تخلّف غالبية المصارف عن الالتزام بتعميم مصرف لبنان، لجهة تأمين 50 في المئة من احتياجات القطاع بالعملة الصعبة للاستيراد. الأمر الذي دفع بالمستوردين إلى اعتماد أحد خيارين: إما تقليص حجم الاستيراد أو رفع أسعار المستلزمات الطبية على المستشفيات. وهو ما وضع الأخيرة في مواجهة مع أزمة جديدة.
ويرى هارون أن لا حل للأزمة المرتبطة بالدولار سوى بحل شامل على مستوى البلد، لا سيما لجهة استحالة رفع أسعار الخدمات الاستشفائية أو حتى البحث بها. علماً أن الموردين يقدمون فواتيرهم بالعملة الأجنبية، ويُلزمون المستشفيات بسدادها بالعملة الأجنبية. كما أن بعضهم يطلب السداد نقداً بالدولار قبل تسليم البضائع، “على أمل تشكيل حكومة وإدارة الأزمة التي لم توفر أي قطاع”.
وتشمل الأزمة التي تواجه القطاع الاستشفائي أيضاً ارتفاع تكلفة مشتريات المواد الاستهلاكية والغذائية بنحو 30 في المئة. الأمر الذي يزيد الضغوط عليها ويعرّضها إلى تقليص خدماتها أكثر فأكثر.