كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
يتشارك لبنان في المرحلة التي وصل إليها من إنهيار إقتصادي وانعدام في النمو وارتفاع الدين العام بالنسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي وازدياد الشكوك بقدرته على الإيفاء بسداد الأقساط، مع الكثير من الدول. وقد سبقته فعلياً الى الإفلاس كل من روسيا (1998) والأرجنتين (2001) واليونان (2010) وقبرص (2013). فيما أوقفت إجراءات صندوق النقد الدولي مصر قبل الإنهيار منذ حوالى 3 سنوات.
إذا كان لكل دولة “شفيع”، ساهم بطريقة أو بأخرى في حقنها بجرعات الدعم المادي والمعنوي، وخفف عنها حدة الأزمة، فإن للبنان مجموعة دعم دولية، اجتمعت قبل يومين وخلصت إلى مجموعة من التوصيات… فهل تسعفه؟
في المباشر تركزت الطلبات على ضرورة تشكيل حكومة تُلبّي تطلّعات الشعب اللبناني، والتشديد على ضرورة البدء سريعاً بالإصلاحات الضرورية وإقرار موازنة 2020 والحفاظ على الأمن الإجتماعي للشعب اللبناني. أما في المضمون فقد ورد في البيان الختامي ان “أي دعم مالي من مؤسسات تمويل دولية سيتمحور حول مساعدة السلطة اللبنانية للتمكن من بذل الجهود، حتى تتوصل في النهاية الى تحقيق الإصلاحات المطلوبة”.
ما يُعنى بـ “مؤسسات التمويل الدولية” في بيان المجموعة هو صندوق النقد الدولي، الجهة شبه الوحيدة التي تتدخل لعلاج الدول المحتضرة. وصفات الصندوق قد لا تعجب الكثيرين، إلا انه “لم يعد هناك من حل في لبنان إلا حزمة مساعدات مالية مباشرة، تخفف من وطأة الأزمة وتضع قطار الإقتصاد على السكة الصحيحة”، يقول نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان نبيل فهد.
الحلّ… في “الصندوق”
من حق لبنان بدايةً الحصول على حوالى 950 مليون دولار أميركي من صندوق النقد نتيجة تقديماته واشتراكه في الصندوق منذ الخمسينات. إلا ان هذا الرقم يعتبر قاصراً عن حل ولو جزء بسيط من الأزمة. وبحسب فهد فإن “تقديرات ما يحتاجه الإقتصاد تتراوح بين 5 و10 مليارات دولار، لن تتأمّن إلا بقروض مشروطة من الصندوق”.
على الرغم من تشابه المشاكل التي يتدخل الصندوق لحلها في الدول، فإن الأخير لا يملك وصفة موحدة للعلاج. وبالنسبة إلى لبنان فان بعثة الصندوق التي زارته مراراً، كانت تخرج في كل مرة بخلاصة وجوب تحرير سعر الصرف، وخصخصة الكهرباء ورفع الدعم عن المحروقات أو زيادة سعر صفيحة البنزين بقيمة 5000 ليرة، وتخفيض العجز في الموازنة عن طريق إصلاح القطاع العام ووقف الدعم الإستهلاكي، وهو ما لن يتغير اليوم في حال قرر الصندوق تقديم يد العون.
مساعدة الصندوق قد تحل أزمة السيولة وتعالج الخلل في الإقتصاد، لكن المشكلة هي انها تتطلب سنوات طويلة، وعادة ما تكون تفاصيلها مرهقة على الطبقات الفقيرة. فتحرير سعر صرف العملة ورفع الدعم عن الإستهلاك والخدمات بشكل عام، يضعف القدرة الشرائية للمواطنين ولأصحاب المداخيل الثابتة، فكيف إذا كان الإقتصاد مدولراً بنسبة 75 في المئة ويشهد ركوداً تضخمياً، او ما يعني انعداماً في النمو يترافق مع ارتفاع في الأسعار، كما هي الحال في لبنان؟ فالعواقب عندها ستكون وخيمة.
إجبار اللبنانيين على دفع ثمن السنوات الطويلة من الفساد وهدر المال العام والسياسات النقدية الخاطئة يجب أن يترافق مع إجراءات تخفف عنهم ثقل الإصلاحات المنشودة.
ففي لبنان كان يعيش، قبل بدء موجة الصرف وانخفاض قيمة العملة، أكثر من 235 الف مواطن في الفقر المدقع، أي بأقل من 6 دولارات يومياً، (أصبحت بعد الازمة 4 دولارات)، وانتشالهم من هذا المستنقع المسبب لكل الأمراض الإجتماعية، لا يكلف بحسب برنامج “أفعال” الذي أطلقته الكتلة الوطنية سوى 110 ملايين دولار. مبلغٌ لا يشكل أكثر من 6 في المئة من كلفة التهرب الضريبي والتهرب الجمركي، وهو أقل من 1.8 في المئة من كلفة الفساد. كما يمكن حل المشكلة من خلال تخفيض الدائنين الفائدة على القروض بنسبة 0.1 في المئة.
وبحسب منسق الادارة السياسية في “الكتلة” أمين عيسى فإن “البنك الدولي يتوقع ان يرزح نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر (أي من يعيشون بأقل من 8.5 دولارات في اليوم) في حال خسرت الليرة بين 20 إلى 25 في المئة من قيمتها بشكل دائم”. وبالنسبة إلى عيسى هناك طريقتان لحل كارثة الفقر:
– إقفال القليل من مزاريب الهدر والفساد في الدولة، يسمح بتخصيص الأموال اللازمة لمعالجة هذه الآفة.
– إمكانية تدخل البنك الدولي من خلال برنامج مخصص فقط لمكافحة الفقر.
ما جنته أيادي السلطة طوال عقود سيرمي لبنان مرغماً في أحضان المؤسسات الدولية، وهذا يشكل بحسب عيسى “مكمن الخطورة” خصوصاً لجهة “تغيير تركيبة الديون من داخلية إلى خارجية”.
على الرغم من كل الصعاب فان الدولة تستطيع تخصيص مبالغ لدعم العائلات الأكثر فقراً والضغط على المصارف لتخفيض الفوائد وعودة دورة الانتاج والاستثمار وإعادة توظيف من صرفوا من عملهم. عندها نستطيع الخروج من الازمة باقل أضرار ممكنة.