كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
فيما تستمر التحقيقات بقضية سقوط مبنى الفوال في الميناء والذي ذهب ضحيته شقيقين من آل (كاخية) بإشارة من النيابة العامة، وذلك لتحديد المسؤوليات، فتحت قضية سقوط المبنى هذا الباب واسعاً على ملف الأبنية الأثرية في طرابلس ونطاقها، والتي هناك العديد منها مأهول بالسكان.
في حيّ الأندلس بميناء طرابلس وحده حيث مبنى الفوال الذي سقط على رؤوس ساكنيه قبل أيام، ثمّة العديد من المباني بالحالة نفسها وآيلة للسقوط ومأهولة بالسكان. ومن هذا الحي إلى باقي الأحياء الشعبية وما أكثرها في مدينة الميناء وفي طرابلس بشكل عام، المئات من هذه المباني موجودة ووضعها خطر، خصوصاً في موسم الشتاء والعواصف. هذه المباني مصنّفة أثرية وبالتالي تقع مسؤوليتها على مديرية الآثار في وزارة الثقافة، وهذه الحجّة تستخدمها دائماً البلدية لعدم قيامها بترميم أي مبنى أثري.
خلال متابعتنا لقضية مقتل الشابين عبدالرحمن كاخية وشقيقته راما قبل يومين، ولدى وصولنا إلى ذاك المبنى المنهار لمعاينة وضعه، إستوقفنا أحد الجيران ويدعى سمير شاكر قائلًا: “يا ريت تصورو كل الشارع وكل المباني… شوف هيدا المبنى الملاصق وهيدا المبنى… كلها مباني مسكونة وما منعرف متى بتوقع على روس العالم”.في الواقع هذا الكلام يمثّل حقيقة مخيفة في طرابلس تقول بأنه ما زالت هناك عائلات تسكن في مبانٍ أكل الزمن عليها وشرب. مبانٍ معرّضة للإنهيار في أية لحظة وساكنوها معرّضون للموت بأي دقيقة لكنهم لا يملكون من هذا الواقع أي بدّ، حتى لو كان ذاك الواقع هو الموت لأنه، على حد قول أحد سكان المبنى، “متل بعضا… هون رح نموت وبرا رح نموت”. أما الأمر الأدهى والأمرّ، فهو أن هذه المنازل تسكنها العائلات الفقيرة في المدينة والتي ليس بمقدورها الإنتقال إلى أي مكان آخر لأن أوضاعها المادية تحت الصفر، وحتى لو كان ثمن البقاء قد يكون الموت المحتم. هؤلاء يعيشون بالتوكل، وكما تقول إحدى السيدات، “تاركينا على الله… ليش في محل تاني نروح عليه ؟”.هذه الحال ليست مقتصرة على مدينة الميناء وحدها وأحيائها وأزقتها. ففي محلة التبانة، لا سيما في سوق الخضار وأحياء أخرى وفي القبة و”الحارة البرانية” والتل وساحتي النجمة والكورة، والعديد من الأحياء الطرابلسية، ثمة مبانٍ أثرية وسكان وفقراء، وثمة خوف متواصل كل يوم، خصوصاً في هذه الأيام التي تشهد العواصف. فعلى من تقع المسؤولية بإيجاد الحل لهذه المباني وشاغليها ومن يتحمّل مسؤولية التقصير عندما يحصل؟
يؤكد عضو بلدية طرابلس السابق المحامي خالد صبح لـ”نداء الوطن” أن “طرابلس تعتبر متحفاً حياً للآثار المملوكية والعثمانية والصليبية وآثار من عهد الإنتداب. فطرابلس مدينة يختلط فيها الماضي مع الحاضر وهناك أبنية تعود لأكثر من 700 سنة وما زالت مأهولة حتى الآن وتنبض بالحياة. وكذلك هناك محلات تجارية وأسواق وخانات كخان البطيخ والخياطين وسوق القمح وسوق حِراج وغيرها”.
ويضيف: “عن طريق الإرث آلت هذه الأبنية لأصحابها اليوم فهي إما ملك خاص أو ملك للأوقاف الإسلامية. بفعل التعديات على هذه الأملاك وبفعل عامل الزمن، هذه الأبنية معرّضة بمعظمها للإنهيار، إذ إن أعمال الترميم والصيانة غائبة من قِبل البلديات وحتى من قبل مديرية الآثار في وزارة الثقافة”.
وعن المسؤوليات يقول: “المسؤولية في الدرجة الأولى تقع على عاتق مديرية الآثار. هي اليوم فقط تقوم بإصدار المراسيم التي تمنع الهدم أو الترميم من دون العودة إليها، كما حصل مع القرار رقم 3632 الصادر بتاريخ 28 أيلول 2015 عن وزارة الثقافة ومحال إلى وزارة الداخلية والبلديات، حيث طلب القرار من البلديات واتحاداتها التشدد في الحفاظ على الأبنية التراثية والأثرية، وعدم البت بأي طلب بخصوصها قبل الرجوع إلى المديرية العامة للآثار في شأنها”، موضحاً أن “دور البلدية يكون حماية السلامة العامة وهنا على بلديات مثل طرابلس والميناء وعلى مصلحتي الهندسة فيهما، الكشف الدوري على هذه الأبنية وتبيان أوضاعها، وفي حال الخطر إنذار أصحاب المباني بإخلائها من أجل هدمها أو ترميمها عملًا بقانون البناء وبالتنسيق مع المديرية العامة للآثار”.
أما بشأن “المبنى الذي انهار في الميناء فهناك مسؤولية تقصيرية على البلدية. كان يفترض على البلدية أن تطلب من أصحاب العلاقة إخلاء المبنى وأن تقوم إما بإزالته أو ترميمه على نفقة أصحاب العلاقة. وإذا لم يقبل أصحاب العلاقة أو المالكون تستطيع البلدية التصدّي مباشرة لهذا الأمر من خلال أشغال لمصلحة الغير، وأن تسجل هذه النفقات دين ممتاز على الصحيفة العينية العقارية”.
ويشدد صبح على أنه “في طرابلس والميناء ما يقارب 4000 مبنى من هذا النوع وليس بمقدور البلديات تحمّل الأعباء المادية للترميم من دون مساعدة الدولة”.
ويختم: “الدولة عليها أن تضع خطة كاملة عبر وزارة الثقافة لترميم وتأهيل هذه المباني الأثرية والتراثية في طرابلس، إضافة الى تأمين مباني الإخلاء والإيواء للسكان”.