الطرابلسي هيثم النيز إبن الـ42 عاماً أضرم النار بنفسه أمس لعدم قدرته المادية على معالجة ابنته… ولا يزال الساسة في لبنان يبحثون في جنس مشاركة هذا الفريق وعدم مشاركة ذلك الفريق في التركيبة الحكومية. هي مشهدية تلامس أعلى قمم الخسّة والرذالة من طبقة أفلست ونفد رصيدها إلا من حسابات “المقاصة والمحاصصة” ولو أضرم اللبنانيون كلهم النار بأجسادهم. تكليف وتأليف وتوليف، كلها عناوين لمعركة واحدة سلاحها استنزاف الوقت لتعطيل مفاعيل الشارع الثائر وتكبيل كل محاولات الرضوخ لطلباته، حتى إذا ما استنفد سلاح التكليف ذخيرته الحيّة والخلّبية، انتقلت “البارودة” إلى كتف التأليف في ضوء تسلّح القصر الجمهوري في مواجهة رئيس الحكومة المكلّف بسلاح “التوقيع” على مرسوم تأليف حكومته.
إذاً، وبعدما احترقت ورقة “التأليف قبل التكليف” بالنيران نفسها التي أحرقت مرشحيها، وفرضت الوقائع إعادة الانتظام إلى المسار الحكومي على السكة الدستورية، باتت الأنظار تتجه إلى ما بعد بعد “اثنين الاستشارات” على وقع الانطباع الطاغي بحسم مسألة إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري “على مضض” عوني بعد إقصاء رئيس “التيار الوطني الحر” عن تشكيلته المرتقبة. ففي حين جاء خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مجمل شقّه الحكومي أشبه بتوجيه الرسائل إلى “التيار الوطني الحر”، في سياق تبريري لموجبات المرحلة الراهنة التي قضت قياساً على “تشخيص المخاطر والمصالح”، بعدم مجاراة الثنائي الشيعي لنزعة رئيس “التيار” جبران باسيل ومن خلفه رئيس الجمهورية ميشال عون، نحو الشروع في تشكيل حكومة “اللون الواحد” وإقصاء الحريري عن سدة الرئاسة الثالثة، تشي المعطيات والمعلومات المتوافرة بأنّ عون يتأهب لرفع “القلم” في وجه أي محاولة من الحريري لفرض تصوّره في عملية تكوين السلطة التنفيذية، باعتبار أنّ رئيس الحكومة يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية بوصفه “شريكاً دستورياً” مضارباً في هذه العملية.
وإذ اختصرت عبارة “عملية التأليف لن تكون سهلة” التي قالها نصرالله، مجمل المشهد المقبل على “كباش محتدم” حول شكل الحكومة المقبلة، معطوفة على مطالبته الحريري بأن “يحلحلها شوي” والتنازل عن سقف شرط تشكيل حكومة اختصاصيين بحتة، رأت أوساط مطلعة على موقف الحريري في ضوء المواقف والتصريحات الأخيرة أنّ “الأمور لا تزال على حالها ولم يسجّل أي خرق جوهري في الملف الحكومي”، وجددت التأكيد لـ”نداء الوطن” على موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال المتمسك بوجوب تأليف حكومة اختصاصيين باعتبارها “الوحيدة القادرة على إنقاذ البلد… والوحيدة التي يمكن للمجتمع الدولي مدّ يد العون لها لانتشال اللبنانيين من خطر الانهيار الاقتصادي”.
وفي ظل توقع أن تشهد نهاية الأسبوع زيارة مرتقبة للحريري إلى قصر بعبدا عشية موعد الاستشارات النيابية الملزمة، انطلاقاً من أن “لا قطيعة” بين الجانبين، جزمت مصادر قصر بعبدا لـ”نداء الوطن” بأنّ موعد الاستشارات “قائم الاثنين والرئيس عون مُصرّ على إجرائها في موعدها ولن يسمح لأي معطى بأن يعدّل في هذا الموعد”. أما عن موقف “التيار الوطني الحر” وتكتل “لبنان القوي” إزاء هذه الاستشارات، فلفت تأكيد عضو التكتل النائب أسعد درغام على أنّ “الاتجاه الاثنين هو نحو عدم تسمية أحد أو أن نترك التسمية للرئيس”، كذلك أوضحت مصادر قيادية في 8 آذار لـ”نداء الوطن” أنّ النقاشات التي حصلت خلال الساعات الماضية بين أكثر من طرف “لم تتناول صراحةً شكل الحكومة، لا تلك التي يطرحها الحريري أي حكومة أخصائيين ولا التي نطالب بها أي تكنو – سياسية، إنما التركيز كان منصباً على الاستشارات التي بات من المؤكد أنّ الحريري سيُكلّف بنتيجتها ولو بنسبة أقلّ من النسب التي كان يحصل عليها إبان تكليفه تشكيل حكوماته السابقة”.
في الغضون، وفي توقيت متزامن مع إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” المتلفزة مساء أمس، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية حزمة عقوبات جديدة على شخصيات وشركات لبنانية متهمة بتمويل الحزب، وأوضحت في بيانها أنّ العقوبات شملت كلاً من صالح عاصي، وناظم سعيد أحمد وطوني صعب بتهم “غسل الأموال وتمويل مخططات إرهابية ودعم حزب الله”، مشيرةً إلى أنّ “ناظم سعيد أحمد هو تاجر ألماس من أكبر ممولي “حزب الله” وقد قدّم أموالاً لأمين عام الحزب شخصياً”.
على الأثر، غرّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على حسابه عبر “تويتر” قائلاً: “نقف إلى جانب الشعب اللبناني في محاربة الفساد والإرهاب (…) وسنواصل استخدام كل إمكاناتنا المتاحة لمواجهة التهديد الذي يمثله حزب الله”، بينما شدد مساعده لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، على أنّ “منظمة حزب الله الإرهابية تعتمد على التمويل الخارجي وغسل الأموال وتسببت بمشاكل اقتصادية للبنان”، مؤكداً أنّ “أشخاصاً من كافة المذاهب والأديان متورطون بتمويل حزب الله، وكل من يتورط في تمويل هذه المنظمة الإرهابية معرّض للعقوبات”.
وعلى إيقاع تصاعد وتيرة العقوبات الأميركية، يستعد مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل ليحلّ ضيفاً على المسؤولين اللبنانيين، في زيارة أدرجتها مصادر مطلعة على السياسة الأميركية “في سياقها الطبيعي، بعد زيارة كل من مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، وزيارة المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور”. وأوضحت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ واشنطن تعتبر نفسها “معنية بشكل أساسي بتطورات الأوضاع اللبنانية، وبالتالي من الطبيعي أن ترسل موفداً لاستطلاع الأجواء والمستجدات بعد نحو 60 يوماً على انطلاق الانتفاضة الشعبية، علماً أنّ موقع هيل يدلّ على كون زيارته لبنان هي ذات طابع سياسي، وليست تقنية تتعلق بملف ترسيم الحدود الذي بات في عهدة دايفيد شينكر”.
ورداً على سؤال، ذكّرت المصادر بالمواقف الحادة التي كان قد أطلقها هيل ضد “حزب الله” خلال زيارته السابقة لبيروت، معربةً عن قناعتها بأن “تصبّ مواقفه من الحزب في الخانة نفسها وأن تكون عالية السقف خلال زيارته المرتقبة”.