ما جرى في ساحات وسط بيروت السبت وحتى ساعات فجر الأحد أعلن بوضوح أننا نعيش في دولة ساقطة بكل ما للكلمة من معنى.
دولة ساقطة أخلاقياً بالدرجة الأولى لأنها تعتمد سياسة الكيل بمكيالين فتصبح أجهزتها كالنعامة مع ميليشيات الخندق الغميق التابعة للثنائي الشيعي فترافقهم خلال اعتداءاتهم وتستصرخهم أن يوقفوا اعتداءاتهم، في حين تستشرس في الاعتداء على الثوار فتستعمل في مواجهتهم كل العنف الممكن!
دولة ساقطة أمنياً لأنها تخاف من مواجهة “زعران” تبدو أمامهم لا حول لها ولا قوة، ولن نسأل ماذا كانت لتفعل لو أن “حزب الله” أرسل مقاتلين عوض الأوباش!
دولة ساقطة سياسياً بحيث أن البكم أصاب جميع المسؤولين فيها حيال ما شهدته الساحات، فلم يخرج أي مسؤول، ولو بتصريح أو استنكار، إذا كان عاجزاً عن إعطاء أمر لحماية المتظاهرين…
حين انطلقت الثورة اللبنانية في 17 تشرين الأول، لم تكن تستهدف “حزب الله” على الإطلاق. حملت عناوين اجتماعية ومالية واقتصادية ومطلبية في صرخات شعب مقهور فقد أبسط مقومات العيش. رفعت الثورة مطالب بدولة تشبه مواطنيها، بحد أدنى من الخدمات وفرص العمل، وأيقنت أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من دون الإطاحة بطبقة سياسية أمعنت في نهب المال العام وفي الإدمان في الصفقات والسمسرات على حساب الخدمات فأوصلتنا إلى الانهيار الكبير.
لكن “حزب الله” الذي كان مرتاحاً لهذه الطبقة الخانعة والمستسلمة له ما أتاح له التفرّغ لتنفيذ أجنداته الإقليمية، لم يرقه أن يسعى اللبنانيون إلى الإطاحة بـ”مكتسباته” فوضع نصب عينيه الإطاحة بالثورة، وشرع ينفّذ هدفه. حتى أن السيد حسن نصرالله لم يحافظ على كلمته يوم دعا الثوار إلى الاعتصام في الساحات قدر ما يشاؤون، فأرسل مجموعاته تكراراً للاعتداء على المتظاهرين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، وصولاً إلى الاعتداء الكبير عصر السبت وليله!
بالنسبة إلى الحزب باتت الثورة تهدد سيطرته على مفاصل الدولة والحكم والمؤسسات. فـ”حزب الله” يرتاح إلى دولة الفاسدين لأنه يقايض فسادها بسيطرته لا بل ويصبح شريكاً لأركانها في الفساد في زمن العقوبات والحصار الماليين. ولا شيء يعلو على أجندة الحزب الإقليمية في خوض المواجهة إلى جانب إيران، ما يفترض قمع الثورة اللبنانية أولاً منعاً لحدوث أي تغيير في المعادلات الداخلية لأنه لن يصب حتماً في مصلحة الحزب المسيطر اليوم.
والخلاصة باتت واضحة: لا مفرّ للثورة من مواجهة غطرسة “حزب الله” إذا أرادت أن تنتصر، لا بل من المستحيل أن تنتصر في ظل حكم “حزب الله” وسيطرته. إنها المواجهة المحتومة بعد أن أسقط “حزب الله” كل الأقنعة وكشف عن وجهه الحقيقي في مواجهة الثوار!