IMLebanon

تلويح باسيل بـ “المعارضة”.. القويّة!

كتب د. مازن ع. خطاب في “اللواء”:

مع موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية لتأليف الحكومة، وغداة إعلان دار الفتوى التمسُّك بالرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة القادمة، وفي غياب بروز أي «ترشيح» جديد باستثناء طرح حزب «الكتائب» اسم السفير نواف سلام، خرق جبران باسيل جمود المشهد السياسي بإعلانه العزوف عن المشاركة في الحكومة القادمة.

حسم باسيل أمره وأبلغ موقفه للثنائي الشيعي قبل إعلانه على الملأ في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع تكتل لبنان القوي، صرّح خلاله أنه طالما أن الحريري أصر على «أنا أو لا أحد» وأصر حزب الله وأمل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة مختلطة من السياسيين والاختصاصيّين برئاسة الحريري، فإن التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي لن يشاركا في هكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً.

لكن اللافت في الأمر هو تلويح باسيل بانتقال تياره إلى الصفوف المعارضة، قائلاً «لا نُشارك ولا نُحرّض، ولكن نقوم بمعارضة قوية وبنّاءة للسياسات المالية والاقتصادية والنقدية ونقوم بمقاومة لمنظومة الفساد القائمة منذ ثلاثين سنة والتي يريد البعض الاستمرار فيها من خلال الحكومة نفسها»، في حدث فريد من نوعه يتمثل بوجود العماد عون في الرئاسة ومناصريه في المعارضة.

وهناك معلومات غير مؤكّدة عن توجّه رئيس الجمهوريّة لعدم المشاركة في الحكومة عبر حصّة وزاريّة، ما اثار ردود فعل مفادها ان الدستور في الأساس لا يسمح ببدعة «حصّة الرئيس» التي هي بمثابة التفاف على الدستور واتفاق الطائف.

قرأ البعض في تلويح باسيل محاولة لإقناع الشارع المنتفض بأنّه صادق في خياره مواجهة الفساد، في حين يعتقد آخرون أن باسيل يحاول انقاذ مستقبله السياسيّ عبر ركوبه موجة الانتفاضة التي حاول مناصروه شيطنتها ومحاربتها بشتّى الطّرق، والبعض اعتبر ان الهدف هو محاصرة الحريري في المرحلة المُقبلة.

والواقع انّ المؤشّرات انذرت باسيل انّ لا مكان له في حكومة مختلطة من السياسيّين والاختصاصيّين، ولا في ايّ تشكيلة حكومية ما لم تكن حكومة مواجهة. كذلك وصلته أكثر من رسالة من داخل التكتل، حين قرر دعم سمير الخطيب لرئاسة الحكومة، مفادها أن الكثير من النواب لن يمضوا معه بالتسمية، وجزء من تراجعه عن دعم سمير الخطيب كان بسبب هذا التفكك والتشرذم الحاصل داخل تكتله. فجأة وجد رئيس تكتل لبنان القوي نفسه يفقد السّيطرة داخلياً، وانّه أصبح تقريباً خارج المنظومة الحاكمة، فما كان له سوى الذهاب الى «المعارضة» كما يسميها هو.

ومهما كانت اهداف باسيل خلف عزوفه الحكومي والتلويح بالمعارضة، ما يهمّ هو اعترافه بالفشل في محاربة الفساد مع جميع القوى السياسيّة و«العهد»، واقراره ضمنيّاً ان خيارات الشعب الذي انتفض منذ شهرين كانت صحيحة، وقد قال انّه غير مستعدّ لتكرار تجربة السنين الثلاث الأُوَل من العهد.

قرار باسيل بإقصاء تياره سياسياً من المشاركة في الحكومة القادمة لأن شخصه غير ممثل فيها، والتلويح بالذهاب الى المعارضة لن يمرّ بسهولة داخل التكتل الذي ظهر عليه التفكك منذ أصبح عددٌ من الفاعلين خارج بيت الطاعة، ومنهم ميشال معوض وميشال ضاهر وآلان عون وسيمون أبي رميا، إضافة إلى عدد واسع من قيادات الصف الثاني من منسقين ومسؤولي قطاعات صار ضبطهم أشبه بالمستحيل. فيما تركه النائبان نعمت افرام وشامل روكز بشكلٍ نهائي.

قرار باسيل أن يكون في المعارضة سيكون عرضة للمساءلة الداخلية، فكيف يخرج «التيّار الحاكم» من الحكومة نحو المعارضة ورئيس الجمهوريّة محسوبٌ عليه؟ وكيف يتحوّل التيّار الى معارضة لحكومة رئيس الجمهوريّة جزء منها؟ كيف سيتمكّن باسيل من معارضة الحكومة وتأييد رئيس الجمهوريّة في الوقت نفسه؟

اليوم لم تعد الأمور بالنسبة لباسيل كما في السابق، فثمّة استفهامات واعتراضات كثيرة تلاحقه وتجعله عرضة للمساءلة حتى من قبل أعضاء فريقه السياسيّ بعد أن بدأت الأمور تخرج من يديه، من العائلة الصغيرة إلى الكبيرة. ومع الوقت قد يتجرأ كثيرون على العلانية بمعارضته ومن ثم خروجهم من تحت جلبابه.

اعتبر البعض أنّ تلويح باسيل بالذهاب الى «المعارضة» نُكتة بائخة وسمجة، بعد ان كان طرفاً فاعلاً طوال العشر سنوات الماضية، والتي شارك خلالها في وضع السياسات الاقتصادية والمالية التي اثقلت كاهل المواطنين، وتناهى الى أسماعه اخبار الفساد الذي نهش ماليّة البلاد. وفي المقابل يرى آخرون ان باسيل لن يجرؤ على البقاء خارج الحكم والتوجه الى المعارضة، وانّه قد يجد مخرجاً يتيح له التراجع عن موقفه السابق، الذي سيضعه في مأزق حقيقي عند الاستحقاقات، لا سيما الانتخابات النيابية المُقبلة.

والمثير للاستهجان انّ ثمّة من يتوقّع أن تكون المعارضة «الباسيليّة» ان حصلت، ايجابيّة وبعيدة عن الكيدية وردود الفعل العشوائية الشعواء، وانّ التيار سيقود مرحلة سياسية جديدة يعوّل عليها بدء مسيرة إنقاذ الوطن بعد ان شارك عشر سنوات في السلطة، ثلاث منها في حكمٍ قوامه الفشل «القوي»!