أثبتت حوادث عطلة نهاية الاسبوع الليلية في وسط العاصمة بما تخللها من مواجهات عنفية، وما اعقبها من ارجاء للاستشارات النيابية الملزمة الاثنين ان السلطة السياسية بلغت الحائط المسدود وأوصدت ابواب الخلاص بيدها، باستثناء واحد اذا احسنت فتحه في ربع الساعة الاخير قد تحجب عن رقبتها سيف المحاسبة المُسلط الذي تمسكه الثورة بقبضة حديدية، غير انها لا تبدو في هذا الوارد حتى الساعة.
هذا الباب تجسده حكومة الاختصاصيين المستقلين من الرأس حتى اسفل القاعدة، حكومة مستقلة عن السياسيين، تستعيد ثقة اللبنانيين المفقودة بكامل الطاقم الحاكم، تضع حدا لمعاناة الشعب الثائر ضدها. وحدهما حزبا القوات والكتائب اللبنانية ادركا هذا الواقع من اللحظات الاولى للثورة وربما قبل، حينما دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حوار بعبدا الاقتصادي في 2 ايلول الى استقالة حكومة “الى العمل” وتشكيل حكومة تكنوقراط تنقذ البلاد. وفيما يتمسك “الكتائب” بمطلبه، مُسَميا السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، ذهبت معراب بعيدا في حجب التسمية عن الحليف الاستراتيجي الرئيس سعد الحريري في موقف اعاد خلط الاوراق الاستشارية وافقد التكليف ميثاقيته فطارت الاستشارات من الاثنين الى الخميس.
واذا كان مسلماً به ان اي اسم غير الحريري قد يُطرح للتكليف لا بد ان يمر بمعبر بيت الوسط للحصول على المنصب مع المظلة والدعم السنيين، واحتراق كل الاسماء التي طرحت حتى الساعة تباعاً خير دليل، فإن اوساط معراب تشرح لـ”المركزية” خلفيات قرارها الليلي بعد نقاش عميق لكتلة “الجمهورية القوية” امتد حتى الثانية فجرا، فتؤكد ان القرار اتخذ على اساس الحفاظ على المبدأ اولا. فالحزب كان اول من طالب بحكومة تكنوقراط مستقلة لا تكون للقوى السياسية سطوة على وزرائها ليعملوا وينتجوا من دون عراقيل ومتاريس سياسية ترفع في وجههم عند كل ملف لا يناسب هذا الفريق او ذاك، حكومة ترضي الانتفاضة التي واكبها الحزب منذ لحظاتها الاولى، حيث لا يمكن ان يضع نفسه في مواجهتها كرمى لصداقة او حلف، علما ان قرار عدم التسمية ليس موجها ضد الرئيس الحريري، بل انسجاما مع قناعات القوات وتطلعات شارعه، من هنا كان حرص في مقدمة بيان الكتلة على التذكير بـ”التمسك بالتحالف على المستوى الاستراتيجي الذي يجمعه مع “تيار المستقبل” والرئيس الحريري، هذا التحالف الذي حقق انجازات عدة في طليعتها الدفاع عن مشروع السيادة والاستقلال ولبنان اولاً والتوازن الوطني، وبالتالي هذا التحالف الذي انطلق مع انتفاضة الاستقلال ما زال مستمراً وسيبقى على هذا النحو حتى قيام دولة فعلية في لبنان”.
وتضيف: ان الحزب الذي اختبر مسار تشكيل الحكومات واداء وممارسات القوى السياسية خلاله حيث كان يبدأ في مكان وينتهي في آخر مناقض في معظم الاحيان للتطلعات والامال، تحت ذريعة المصلحة الوطنية التي توجب تقديم تنازلات، غالبا ما تبين انها لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة، ليس في وارد تكرار هذا السيناريو “الرديء” والتنازلات باتت بدورها خطا احمر. فمعراب لن تسلم ورقة التكليف لجرها في التأليف الى حيث لا تريد والى نتائج غير مضمونة على رغم الوعود التي يطلقها الرئيس الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط، خصوصا ان الذرائع اليوم كثيرة من الوضع العام الى الازمة الاقتصادية والانهيار، فإذا فقدت هذه المرة ورقة التكليف لن نتمكن من استعادتها.
اما عن الموقع السياسي للقوات، فتوضح المصادر ان زمن الاصطفافات السياسية العمودية انقضى، وليس الحزب في وارد البحث عن تموضعات جديدة تكبلّه وتعرقل قراراته وتضرب صورته السياسية والشعبية، قراره اعلنه مطلع ايلول الماضي ولن يتراجع عنه، فهو يتعامل مع الملفات غب الطلب، يقترب او يبتعد عن القوى السياسية استنادا الى طبيعة الملف. وتختم ان تكتل “الجمهورية القوية” هو اولا وآخرا صوت الشعب ولن يكون في موقع مناقض لحلمه بحكومة انقاذ.