منذ انفجار الأزمة النقدية المالية في لبنان، التي أدت الى فقدان العملة الصعبة من الأسواق، وصولاً الى اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر الماضي، ومع إغلاق الطرقات والمؤسسات العامة والخاصة، ومن ضمنها المصارف لأيام عدة، بدأ الحديث عن عمليات تهريب مبالغ ضخمة الى الخارج. فالاحتجاجات التي انطلقت بزخم شعبي في أيامها الأولى دفعت – كما تقول مصادر مصرفية لـ القبس – ببعض المسؤولين النافذين الذين تحوم حولهم شبهات فساد -وهم ليسوا قلة في لبنان- إلى نقل أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية إلى الخارج، خوفاً من تداعيات الانتفاضة أمنياً. وتضيف المصادر أن «ودائع ضخمة لسياسيين ومصرفيين ونافذين خرجت من لبنان أخيراً»، مردفة أن «إغلاق المصارف أبوابها لا يمنع عمليات التحويل، لكن الأمر يتطلب موافقة كبار المسؤولين في المصرف، الذين يحرصون على الاعتناء بكبار المودعين، وأن تكون لديهم السيولة اللازمة للقيام بمثل هذه التحويلات». وتعترف المصادر بصعوبة تحديد هوية «المهرِّبين» وحجم التحويلات أو وجهة تحويلها، مبينة أن «عمليات من هذا النوع تجري ضمن دائرة ضيقة، طرفاها المودع وإدارة المصرف، الذي يجري تحويل المبالغ الماليه منه، ولا يمكن للموظفين الصغار الاطلاع عليها، ولا التدقيق فيها، أو المساءلة حولها».
وحول الآلية التي تجري بها عملية التحويل، يؤكد الخبير الاقتصادي حسن مقلد أنه «لم يصدر أي تعميم ملزم واضح يمنع المودعين من سحب أو تحويل أموالهم إلى الخارج، لكن ما حصل بين جمعية المصارف والبنك المركزي مجرد تفاهمات عامة تسمح بتحويل الاموال وفق الحاجة (الطبابة، التعليم، إلخ)، ومن هنا، فإن باب الاستنسابية فتح بشكل كبير جدا، ويستطيع كل بنك ان يقوم بما يريده، وقد يحوّل 10 أضعاف المبلغ المستحق تحويله، من دون محاسبة». ويتابع مقلد: «وفق الارقام التي اعلنها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة فقد خرج من لبنان نحو 2 مليار دولار حتى تاريخ 17 أكتوبر (تاريخ اندلاع الانتفاضة)»، مشددا على ان «الأموال التي خرجت بعد اندلاع الانتفاضة لا احد يعرف حجمها حالياً». ويضيف لـ القبس: «عمليتا تحويل كبيرتان حصلتا بعد 17 أكتوبر، الاولى تقدر بـ10 ملايين دولار، حصلت قبل أسبوع الى 10 ايام، والثانية أكبر، وتقدر بـ270 مليون دولار، جرى تحويلها الى بنك غولدمان ساكس في أميركا، وربما حصلت عندما كانت البنوك مغلقة، وهي تخص شركة كبيرة، مرتبطة برجل سياسي كبير في البلاد، ولا نعرف ما إذا كانت شروط التحويل التي جرى التفاهم عليها بين جمعية المصارف والبنك المركزي تنطبق على هذه العملية ام لا». ويشير مقلد الى أنه سبق وتحدث عن «عملية تحويل بـ300 مليون دولار رفضتها سويسرا، لأهمية الحدث». ويطالب مقلد بـ«إيجاد آلية قانونية في الداخل والخارج، تسمح بمتابعة هذه التحويلات التي جرت بعد 17 أكتوبر، لأن هذه الاموال التي حوّلت الى الخارج هي حق عام لجميع المودعين، خاصة أن المصارف حددت سقف سحب أموال صغار المودعين، من دون أي مسوغ قانوني، ومن دون موافقتهم. وهذه العملية تجاوزت الودائع الى الحسابات الجارية».
مصدر مصرفي آخر، اكد لـ القبس أنه «لا أحد يملك معلومات موثقة حول موضوع التحويلات الى الخارج»، واضعا ما يجري تداوله في إطار التهويل والإشاعات. لكنه أشار في المقابل الى أن «عمليات تحويل حصلت منذ سنة، لأن الناس كانت تتهيب الحال التي وصلنا اليها، بسبب التحذيرات الدولية المتتالية». ويسأل: «من هم هؤلاء النافذون الذين قرروا بعد سنة من الانهيار الاقتصادي ان يهرّبوا أموالهم وهم يملكون كل المعلومات والمعطيات؟ لماذا انتظروا حتى تبدأ الانتفاضة وتغلق المصارف أبوابها لينقلوا أموالهم؟». ويضيف المصدر ان باحثاً مصرفياً لفت نظره الى امر منطقي، وهو ان الرصيد النقدي لمصرف لبنان لم يتغير كثيراً. ويمكن للجميع الاطلاع على عمليات التحويل في المصرف، لأنها متاحة للجميع. وعلى الرغم من أن هذه العمليات لا تزال في إطار التشكيك، طالما أنه لا احد يملك أدلة دامغة عليها، فإن من المؤكد أن الإجراءات التي اعتمدتها المصارف حين فتحت أبوابها في ظل حماية أمنية قد أتت على حساب صغار المودعين، علما ان حركة السحوبات الصغيرة التي يقوم بها الناس يمكنها التدليل على حركة تحويل مبالغ مالية ضخمة في حال وجودها. وفي وقت سابق، كشف وزير الاقتصاد اللبناني منصور بطيش في تصريح إعلامي أن 4 مليارات دولار جرى سحبها من المصارف منذ سبتمبر إلى المنازل، وهي تمثّل 3 في المئة فقط من قيمة الإيداعات في المصارف، البالغة 172 مليار دولار. وأكد بطيش حصول عمليات تحويل مبالغ من المصارف إلى الخارج، ولكن «لم يُعرف حجمها». لكن هل هناك نية لتعقّب مثل هذه العمليات؟ وهل ثمة إمكانية لإعادة الأموال التي جرى تحويلها إلى الخارج، مرة أخرى إلى البنوك؟. ترجح مصادر مصرفية صعوبة تحقيق مثل هذا الأمر، ذلك ان من يهرّب شخص نافذ، أو زعيم في طائفته، ومعروف كيف هي حماية الطوائف في لبنان.