كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
ينتهي عقد الشركتين المشغّلتين لقطاع الخلوي نهاية الشهر الجاري. لذلك، بدأ وزير الاتصالات الإعداد لمرسوم جوّال يسمح بتمديد العقود في خطوة تقفز فوق كل ما كُشف في لجنة الاتصالات النيابية والقضاء معاً. هدر بملايين الدولارات لا يمكن أن يُكافأ مسببه بالتمديد له. ولذلك، لا بديل عن استلام الدولة للقطاع. بحسب العقد الموقع مع الشركتين، يمكن إعطاؤهما فترة شهرين للتسليم.
قبل انطلاق الانتفاضة في 17 تشرين الأول بأسابيع، أوضح وزير الاتصالات محمد شقير أن مناقصة الخلوي صارت في حكم الملغاة. قال ذلك لأنه يدرك أن لا توافق على دفتر الشروط الذي نوقش على مدى أشهر في لجنة وزارية ترأسها الرئيس سعد الحريري وضمّت الوزراء غسان حاصباني، محمد فنيش، محمد شقير، عادل أفيوني، كميل بوسليمان وحسن اللقيس.
كان دفتر الشروط المقترح من وزارة الاتصالات مشبوهاً بالحد من المنافسة. لذلك، ورغم الاتفاق على الكثير من التعديلات، بقيت ثلاث نقاط من دون اتفاق، أبرزها إصرار الوزارة على السماح بمشاركة تحالفات شركات في إدارة شبكتي الخلوي، رغم أن عقد الإدارة لا يتطلب استثماراً عالياً أو مخاطر عالية. ومقابل الشكوك بشأن النتائج المعلّبة، تمسّكت الوزارة بحجة مساهمة التحالفات، التي يُفترض أن تضم شركات عالمية وأخرى لبنانية، في رفع مستوى الشركات الوطنية ومراكمتها للخبرة في القطاع. ذلك لم يطمئن المتابعين لمسار المناقصة. بحسب التجربة، فإن الإدارة ستنتهي في يد الشركة اللبنانية، من دون أن يكون للشركة الدولية أي حضور يُذكر. كل ذلك لم يعد مهماً. يكفي أن آخر اجتماع عقدته اللجنة الوزارية المعيّنة كان في آب الماضي!
بإلغاء المناقصة، ماذا سيكون مصير الشبكتين؟ هل يستمر المشغّلان الحاليان، أي شركتا «أوراسكوم» و«زين»، في عملهما؟ بحسب قرار مجلس الوزراء الصادر في 7 آذار الماضي، تم تجديد عقد مشغليّ الخلوي حتى نهاية العام، على أن تعمد الوزارة في تلك الفترة إلى إطلاق مناقصة جديدة بشروط جديدة لإدارة شبكتي الخلوي.
هذا المسار لم يعد ممكناً. ولذلك، تشير المعلومات إلى أن شقير أعدّ مرسوماً جوّالاً لتمديد عقد الشركتين الحاليتين (يوقّعه الوزير المختص ووزير المالية ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية)، متضمناً تعديلات في شروطه، وأهمها تحويل المصاريف التشغيلية إلى عاتق الشركتين.
الشركتان اللتان كانتا تحاربان المناقصة، أدركتا منذ مدة أن التمديد حاصل لا محالة. وقد بدا ذلك مناقضاًَ لكل المسار الذي سلكته لجنة الاتصالات النيابية، وكشفت خلاله هدراً وفساداً بمئات الملايين من الدولارات، تتحمل إداراتا الشركتين، ومن خلفهما وزراء الاتصالات المتعاقبون، مسؤوليته المباشرة. أضف إلى أن المدعّي العام المالي ادعى على مديريّ شركتي «ألفا» و«تاتش» بجرم هدر واختلاس المال العام، من دون أن يُبت بالقضية حتى اليوم.
أحد الاقتراحات التي ظلت حاضرة طيلة فترة النقاش في مصير إدارة الشبكتين، كان استلام الدولة للقطاع وإدارتهما بنفسها. الفكرة بسيطة: طالما أن كل الموظفين لبنانيون وطالما أن الموظفين التابعين للشركتين المشغّلتين لا يزيد عددهم على 7 أشخاص (5 في «أوراسكوم» و2 في «زين»)، فلا لزوم لشركات أجنبية. كل ما تفعله هذه الشركات هو الحصول، بالحد الأدنى، على 20 مليون دولار من المال العام سنوياً.
لم يستمع أحد إلى ذلك الاقتراح. في الأساس، بنيت «تركيبة» عقدي الإدارة في العام 2002، على فلسفة الإدارة المؤقتة إلى حين خصخصة القطاع. كارهو القطاع العام ما زالوا حاضرين في الحكومة كما كانوا دائماً. وهم كلما اشتمّوا رائحة تعزيز دور هذا القطاع، استشرسوا. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن استلام الدولة للقطاع، إن حصل، لن يكون سابقة.
في العام 2009، استلمت وزارة الاتصالات، بناء على قرار من مجلس الوزراء، إدارة «ألفا»، إلى حين إجراء مناقصة جديدة وتوقيع عقد إدارة جديد. حصل ذلك بعد مغادرة المديرة التنفيذية لشركة «فال ديتي»، التي كانت تدير الشبكة، لبنان، بشكل مفاجئ ومن دون إعلام الوزارة بخطوتها. حينها عيّنت الوزارة مجلس إدارة مؤلفاً من ثلاثة أشخاص برئاسة العضو في هيئة مالكي قطاع الخليوي المهندس كمال بو فرحات.
في الحالة الحالية لا لزوم حتى لقرار من مجلس الوزراء أو لما يسمّى مرسوم جوّال. العقد الموقّع مع الشركتين، وتحديداً في البند 31.5، ينص بوضوح على إمكانية الطلب من الشركة تصريف الأعمال والتحضير للتسلّم والتسليم خلال فترة ستين يوماً، ومن دون الحاجة إلى تمديد العقد. وهذا يتيح، بدلاً من التمديد للشركتين لثلاثة أشهر، إعطاءها شهرين لتسليم القطاع للدولة.
هذه الخطوة لم تعد ترفاً. بعد ما كشف في مجلس النواب وما يجري في القضاء، مقروناً بانتفاضة الناس على الفساد والمفسدين، لم يعد جائزاً الاستمرار بالآليات القديمة. في بداية العام المقبل، يُفترض أن تبدأ مرحلة استعادة الدولة للقطاع، لا التجديد لشركتين متورطتين، مع وزراء الاتصالات، في هدر المال العام.