كتب علي الأمين في صحيفة العرب اللندنية:
المشهد اللبناني ينذر بالمزيد من التداعيات السياسية والاقتصادية والنقدية وسط إصرار أقطاب السلطة على إنتاج حكومة على قواعد المحاصصة، فيما يستمر الشارع في إظهار إصراره على تغيير جوهري في بنية السلطة، على أن يبدأ التغيير بحكومة تضم مستقلين من خبراء واختصاصيين، وينتهي بالدعوة لانتخابات نيابية مبكرة.
مساء الأحد حتى فجر الاثنين، موعد الاستشارات النيابية، كان وسط بيروت ساحة مواجهة شرسة بين المحتجين والقوى الأمنية، لكن هذه المرة كان لشرطة مجلس النواب دخول في مواجهة عكست محاولة لاستدراج العنف، لاسيما أن ذلك ترافق مع دخول مناصري حركة أمل وحزب الله، بشعار “شيعة شيعة” إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت، بطريقة لا يفهم منها إلا استدراج المواجهات من مواطنين يواجهون السلطة إلى مواجهة تستدرج المواجهة المذهبية.
ليس خافيا على معظم المتظاهرين من أبناء انتفاضة 17 أكتوبر، أن هذه الوسيلة المتبقية للسلطة لإعادة الصراع السياسي إلى ما قبل هذه الانتفاضة، فلعبة العصبيات المذهبية المهينة باتت مكشوفة ولم يعد من السهل استدراجهم إليها بسهولة.
يبقى أن الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة، قد خلصت لاختيار الرئيس سعد الحريري، وهو اختيار لا يحظى برضا الشارع، ولا يحظى بقبول التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية الذي أُجبرَ على تقبل هذا الاختيار استجابة لنصيحة من حزب الله كما تشير المعلومات، باعتبار أن الحزب يدرك حجم الأزمة التي تواجهه، وتفرض عليه عدم الذهاب نحو خيارات أحادية تزيد من عزلته الخارجية عزلة داخلية وخصومات يحاول تفاديها اليوم، وهذا ما عبر عنه أمينه العام حسن نصرالله، حين أشار إلى أن حزب الله لا يريد حكومة أكثرية رغم امتلاكه وحلفائه الأكثرية النيابية التي تتيح له تشكيل حكومة موالية له.
الاصطفافات السياسية وتجاوز مسألة تكليف رئيس الحكومة من خلال الاستشارات التي جرت الاثنين، لا تعني أن اتفاقا قد تم إنجازه على الصعيد الحكومي، فعملية تأليف الحكومة لم تزل عرضة لتنازع بين وجهتي نظر. الأولى تشكيل حكومة من الخبراء والاختصاصيين يمثلون قوى السلطة وهذه يتبناها الحريري. ووجهة نظر ثانية يتبناها الشارع، هي تشكيل حكومة من خبراء مستقلين عن السلطة، رغم أن موقف حزب الله وموقف التيار الوطني الحر لا يزالان غامضين في ما يحملانه من مواقف تبقى رهن حسابات سياسية تقررها المواقف الخارجية، ولاسيما حزب الله الذي بات شديد السعي لإنجاز اتفاق يحظى بضمانات خارجية لا تجعله عرضة للمزيد من العقوبات والحصار.
هذا الغموض وعملية شد الحبال، لاسيما على صعيد السلطة، تربطهما مصادر مطلعة بالزيارة التي سيقوم بها مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل الأربعاء إلى بيروت.
من المعروف أن ديفيد هيل صاحب علاقات وثيقة مع العديد من اللبنانيين، حين كان سفيرا في بيروت وقبل ذلك دبلوماسيا فيها، وفي السنوات الأخيرة معنيا بترسيم الحدود البرية والبحرية مع لبنان، قبل تولي الدبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر هذه المهمة منذ أشهر.
باختصار يُنظر إلى هيل باعتباره الدبلوماسي الهادئ بخلاف شينكر المشاكس كما يوصفان من قبل أوساط السلطة في لبنان، وهذا ما يجعل من مهمة هيل ذات أهمية أولا لكونه متقدما على شينكر في الرتبة الدبلوماسية في الخارجية الأميركية، وثانيا لأنه يحمل رسالة دولية تنطوي على مطالب من الحكومة اللبنانية كشرط لمساعدة لبنان للخروج من الأزمة التي يعانيها.
بحسب أوساط متابعة في بيروت، وعلى صلة بدوائر أميركية، فإن الموقف الأميركي لن يكون متهاونا بشأن رفض مشاركة حزب الله في الحكومة، وكانت قيادات عدة في حزب الله قد أكدت أن حزب الله تلقى رسائل خارجية (يرجح أنها فرنسية) ونفت أن يكون هناك ربط بين تقديم المساعدات الخارجية للبنان وعدم مشاركة حزب الله في الحكومة.
غير أن الأوساط المتابعة نفسها تلفت إلى أن هيل استبق زيارته بإدراج ثلاثة لبنانيين على لائحة العقوبات الأميركية بتهمة التعاون مع حزب الله، من بينهم رجل الأعمال طوني صعب، قيل إنه قريب من الوزير جبران باسيل. وتضيف الأوساط أن في ذلك رسالة إلى باسيل والتيار الوطني الحر، بأن سيف العقوبات بات قريبا منهما، ولكن الأخطر حسب هذه الأوساط هو ما سينقله ديفيد هيل إلى الرئيس نبيه بري، حيث تصف الاجتماع المرتقب بينهما بأنه أهم ما في زيارة هيل، وتعلل هذه الأهمية بأن واشنطن ستسلم بري سلة الشروط الأميركية التي تتصل بحزب الله، ومرتبطة بتلويح أميركي بعقوبات ستطال رجال أعمال مقربين من الرئيس بري. وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات الأميركية لم تطل مقربين من بري رغم العلاقة التحالفية بينه وبين حزب الله، وما يحمله هيل هذه المرة هو تحذير قد يؤدي إلى العقوبات على مقربين من بري.
خلاصة المشهد مهما كانت نتيجة الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة، أن ما تنتظره أطراف السلطة ولاسيما حزب الله هو ما سيحمله هيل إلى بيروت، والذي لن يكون محملا سوى بسلة شروط لن ترضي حزب الله الذي لن يقبل أن تكون في لبنان سلطة تفوق سلطته، سواء كانت لبنانية أو دولية.