IMLebanon

حكومة “معقولة” أو “الصوملة”

كتب د.توفيق هندي في “اللواء”:

الحكومة «المعقولة» هي كما وصفتها في مقالي المعنون «الحكومة بين التشكيل المستحيل والممكن»، المنشور في جريدة اللواء المحترمة بتاريخ 12 كانون الأول.

تأجلت الإستشارات النيابية الملزمة لكونها تفتقد إلى «الميثاقية»: لا «تغطية مسيحية» برلمانية لها. باسيل ضربها اللكمة الأولى وجعجع الضربة القاضية. فهما يتحملان سوياً بالتضامن والتكافل المساهمة في مسؤولية عدم تشكيل الحكومة «المعقولة» إلى جانب بقية الأطراف، ولا سيما وخاصة حزب الله الذي يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث يستدعي أن يقبل بتصغير وتلطيف وجوده مع حلفائه في الحكومة بحيث تأتي المساعدات الخارجية التي وحدها يمكنها الحيلولة دون وصول الوضع الإقتصادي – المالي – النقدي إلى قعر البئر.

العديد من اللبنانيين لا يزالون في حالة عدم وعي لما ينتظرهم.

فمنهم من يرى أن الكارثة وقعت ولا يرون أن الوضع قد يكون أكثر مأساوية.

ومنهم من يعتبر أن المجتمع الدولي لن يدع لبنان يصل إلى حالة الإنهيار الكامل. قد يكون هذا رأي الأوروبيين والعرب لما لهذه الحالة من تداعيات خطيرة على أوضاعهم. غير أنه لا يبدو أن أميركا – ترامب تبالي لأن أميركا بعيدة عن المنطقة ولأن أولوية ترامب هي إعادة إنتخابه وأن تسجيل نقاط في مواجهة إيران قد تفيده مهما كلفت من خسائر جانبية (collateral damage) لسواه.

ولكن ماذا يعني ألّا تشكل حكومة «معقولة» يمكنها إستجلاب المساعدات الخارجية؟

تعني ذهاب لبنان إلى وضع أسوأ من «الصوملة».

بدون مبالغة، أرى أن الوضع في لبنان سوف يصبح على الشكل التالي:

الفقير يصبح بحالة فقر مدقع والمؤسسات الخيرية والجمعيات والخيرين، مجموعات وأفراد، لن يعود بإمكانهم المساعدة، مما يدفعه على طريق السرقة والإجرام لتلبية مقومات الحياة البدائية لأولاده.

الطبقة الوسطى تضمحل وتتحول تدريجياً إلى طبقة فقيرة ويهاجر منها من يتمكن من الهجرة.

كافة مؤسسات القطاع الخاص (صناعة، تجارة، سياحة، إعلام…وحتى الزراعة) تتوقف عن العمل وتصرف عمالها. البطالة تضرب أرقاماً قياسية.

الدولة لا يعود بإمكانها أن تدفع موظفي القطاع العام أو أنها تدفع أجورهم بليرة لبنانية تكون قد فقدت قيمتها.

ينهار القطاع المصرفي، إحدى الركائز الأساسية للكيان اللبناني. ومع إنهيار الليرة اللبنانية، تنهار هرمية الجيش والأجهزة الأمنية ويتحولون إلى أفراد ومجموعات من المسلحين يعبثون بالأمن بدلاً من أن يحافظوا عليه.

تتوقف المستشفيات عن العمل كما يجب، لنقص في المعدات الطبية والأدوية في محيط تتفشى فيه الأمراض نتيجة الفقر والعوز والقمامة المتراكمة أينما كان.

ويتوقف الإنترنت وتلفونات الجوال عن العمل ومعها تتوقف تطبيقاته.

وتتوقف الملاحة الجوية والبحرية.

وتغرق البلاد بالعتمة، و… نعود إلى العصور الوسطى نعيش ضمن شريعة الغاب نخشى أن نسير في الطرقات وأن نكون عرضة في بيوتنا لمجموعات مسلحة تمارس اللصوصية وتمتهن القتل.

لربما من قائل أن في هذا التوصيف الكثير من المبالغة. ولكن ليس من شك أننا نقترب منه. قد لا نصل إليه ولكن قد نقاربه.
وفي حين أن المطلوب هو تشكيل حكومة «معقولة» بالسرعة القصوى، قادرة على إستجلاب المساعدات الخارجية لكي لا تزول الدولة وينهار المجتمع والكيان، نرى «مكونات» الطبقة السياسية الفاسدة كافة، تناور على بعضها البعض بشكل رخيص، غير آبهة بعذابات الشعب اللبناني المسكين.

أردت أن أشدد على فظاعة وضخامة الكارثة التي نتجه إليها لكي أدلل على إجرام هذه الطبقة السياسية العفنة الفاسدة التي لا تزال تتصرف بطريقة غير مسؤولة ولإبراز أولوية معالجة الوضع الإقتصادي – المالي – النقدي لأن إنهياره مرادف لإنهيار الدولة والكيان والمجتمع.

رسالتي للأطراف اللبنانية كافة هي أنها يجب أن تدرك أن الأوضاع تغيرت وأن تتصرف بعقلانية وعلى أنه لم يعد بمقدورها أن تفرض شروطها وأن إمعانها بهذا الطريق سوف يقضي عليها وعلى الآخر.

المطلوب هو الإسراع بتشكيل الحكومة «المعقولة».

ولكن، يبدو وكأن صوتي، صوت صارخ في البرية!