كتب أسعد بشارة في “الجمهورية”:
تراقب دوائر القرار في واشنطن ما يجري في بيروت بدقة، وتستعد لترجمة التوجّه الاميركي إزاء لبنان في زيارة مساعد وزير الخارجية ديفيد هيل لبيروت.
ومن المقرر أن يلتقي هيل رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، ويستثني وزير الخارجية جبران باسيل من أي لقاء، مع ما يحمله هذا الاستثناء من رسائل تضاف الى استثنائه من اللقاء به في واشنطن حيث امتنعت الادارة الاميركية عن تحديد أيّ موعد لأي مسؤول اميركي مع باسيل، ما يعكس الغضب من التصاقه بـ«حزب الله».
ويصل هيل الى بيروت، وهو الديبلوماسي الذي يصنّف في خانة الجيل التقليدي في ديبلوماسيي الادارة الاميركية، حاملاً موقف بلاده مما يجري، وينتظر أن تتّضِح بعد هذه الزيارة معالم الموقف الاميركي من تشكيل الحكومة الجديدة، ومن الانتفاضة المستمرة، ومن أداء السلطة اللبنانية.
وتشير أوساط ديبلوماسية مطّلعة الى انّ الموقف الاميركي اتّضحَت معالمه أكثر فأكثر، وهو ينطلق من الآتي:
أولاً: اذا كان التعامل مع الحكومة السابقة المستقيلة يرتكز على مقاطعة وزراء «حزب الله» في الحكومة، فإنّ الموقف الجديد بعد الانتفاضة سيترجم بمقاطعة أي حكومة يشارك فيها «حزب الله»، ويكون له فيها القدرة على مصادرة القرار، وقد أصبح المعنيّون في بيروت في أجواء هذا التوجّه قبل ان تحط طائرة هيل في مطار بيروت.
ثانياً: يدور نقاش مستمر في أروقة الادارة الأميركية والكونغرس على هامش الموقف القاطع الرافض لمشاركة «حزب الله» في الحكومة الجديدة، حول جدوى الاستمرار في تقديم المساعدات للمؤسسة العسكرية، ففي الكونغرس تتم الموافقة أو الرفض لتجديد المساعدة للجيش، وقد رافق قرار تجميد المساعدة، ثم الافراج عنها، جَدل حول جدواها، في ظل استمرار السلطة اللبنانية في الضغط على الجيش بوسائل مشروعة وغير مشروعة، لإقحامه في قمع التظاهر السلمي، وتصل الى الادارة الاميركية معلومات عن تدخّل من وزير الدفاع ومن دوائر رسمية في عمل الجيش الى درجة محاولة تجاوز قيادته، التي ينظر الى أدائها بإيجابية، كما ينظر الى حرصها على أن تكون بمنأى عن سَعي السلطة لاستعمال العنف.
وتشير الاوساط الى انّ كل من يمارس هذا التدخل سيكون معرّضاً للعقوبات، وسيتحمل مسؤولية استعمال العنف ضد المتظاهرين.
ثالثاً: تتراوح التقديرات داخل الادارة الاميركية لحقيقة الوضع في لبنان بين اتجاه يعبّر عنه نواب أميركيون كثر في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، يعتبر انّ لبنان وصل الى حدّ أن يكون حالة ميؤوساً منها، أو حسب التعبير الرسمي تحوّل دولة فاشلة، وبين إدارة الرئيس الاميركي التي ما زالت تعتبر انه يمكن الحفاظ على استقرار لبنان واستعادة الدولة فيه من خلال كفّ يدّ إيران و«حزب الله» الذي يسيطر حالياً على قراره، وبين وزارة الخارجية التي يتنازعها رأيان:
الاول جذري والثاني سوف يعبّر عنه هيل بطريقته الديبلوماسية، ولكن القاطعة، وهو تبليغ الجميع بأنّ استمرار سيطرة «حزب الله» على الحكومة الجديدة سيكون مدخلاً لمقاطعتها كحكومة، وليس فقط مقاطعة وزراء «الحزب»، كما أنّ هذا التبليغ سوف يشمل التنبيه من أنّ أي محاولة تَذاكي لتمويه هوية أي وزير وارتباطه بالحزب لن تمر أيضاً، وبالتالي المطلوب حكومة مستقلة عن القوى السياسية تقوم بخطة إنقاذ اقتصادي، ولا تغطي سلاح «حزب الله».
يعرف الرئيس سعد الحريري أنّ المطلوب اميركياً ودولياً، هو خارج قدرته على تدوير الزوايا. ولهذا، لن يكون أي تكليف بتشكيل الحكومة يوم الخميس المقبل، مجرّد نزهة، بل هو عبور بين حقول ألغام، تبدأ في طهران ولا تنتهي في واشنطن والرياض.
ولهذا، فإنّ منسوب التفاؤل في تشكيل الحكومة في وقت قريب تَبخّر مع تأجيل الاستشارات، ومن غير المستبعد أن تبقى حكومة تصريف الاعمال الى وقت ليس بقصير.